Abstraksi.
Diantra pengetahuan yang pernah berkembang begitu pesat dan dominan dalam tradisi intelektual Islam adalah: Filsafat, kalam, tasawuf disamping bidang kesusasteraan. Hampir segala persoalan kemanusiaan menjadi obyek kajian disiplin tersebut. Salah satunya – dan ini yang belum banyak dikaji – adalah persoalan cinta.
Artikel ini berupaya mengkaji masalah “cinta” dalam diskursus berbagai disiplin di atas secara umum.
Dalam cabang filsafat, diskursus cinta terkait erat dengan dua persoalan; masalah penciptaan alam, kedua terkait dengan akibat-akibat dari gerak alam itu sendiri. Pandangan pertama ini dapat dengan jelas dapat kita jumpai dalam pemikiran tokoh semisal Ibnu Qayyim al-Jauziyah, sedangkan pandangan kedua dikembangkan oleh para filosof yang tergabung dalam kelompok Ikhwan al-Shafa.
Sementara itu, dalam cabang tasawuf, diskursus cinta memiliki maknanya sendiri. Cinta bagi para sufi tidak lagi sekedar persoalan hubungan emosional antara sesama manusia, atau sekedar konsep-konsep seperti yang dipikirkan oleh para filosof dan teolog. Lebih dari semua itu, cinta bagi mereka telah menjadi medium atau jembatan tertinggi yang menghubungkan langsung dan bahkan sebagai pemersatu antara mereka dengan Tuhan (ittihad). Pengertian ini pula sekaligus yang membedakan cinta dalam diskursus sastra yang hanya membatasi diri dalam soal hubungan antara sesama manusia.
Diantra pengetahuan yang pernah berkembang begitu pesat dan dominan dalam tradisi intelektual Islam adalah: Filsafat, kalam, tasawuf disamping bidang kesusasteraan. Hampir segala persoalan kemanusiaan menjadi obyek kajian disiplin tersebut. Salah satunya – dan ini yang belum banyak dikaji – adalah persoalan cinta.
Artikel ini berupaya mengkaji masalah “cinta” dalam diskursus berbagai disiplin di atas secara umum.
Dalam cabang filsafat, diskursus cinta terkait erat dengan dua persoalan; masalah penciptaan alam, kedua terkait dengan akibat-akibat dari gerak alam itu sendiri. Pandangan pertama ini dapat dengan jelas dapat kita jumpai dalam pemikiran tokoh semisal Ibnu Qayyim al-Jauziyah, sedangkan pandangan kedua dikembangkan oleh para filosof yang tergabung dalam kelompok Ikhwan al-Shafa.
Sementara itu, dalam cabang tasawuf, diskursus cinta memiliki maknanya sendiri. Cinta bagi para sufi tidak lagi sekedar persoalan hubungan emosional antara sesama manusia, atau sekedar konsep-konsep seperti yang dipikirkan oleh para filosof dan teolog. Lebih dari semua itu, cinta bagi mereka telah menjadi medium atau jembatan tertinggi yang menghubungkan langsung dan bahkan sebagai pemersatu antara mereka dengan Tuhan (ittihad). Pengertian ini pula sekaligus yang membedakan cinta dalam diskursus sastra yang hanya membatasi diri dalam soal hubungan antara sesama manusia.
الخطاب الحـبي فى التراث العربـي : الفلسفي، الكلامي، التصوفي والأدبي
بقلم : زمزم أفندي عبد ا لله
"من لم يفقهه الهوى فهو فى جهل"
( ابن الفارض )
"الحب معرفة علوية تنـير بصا ئرنا فنرى الأشياء كما يراها الآلهة"
( خليل جبـران )
1.مقدمة
إن الحديث عن الحب حديث شائق، وأن البحث فيه شائك. والقضية الحبية قضية قديمة قدم الإنسانية نفسها وأقدم من الحضارة التى انبثقت عنها. والله جل شأنه لما منح الحياة للحيوان منحه معها الحب، فالحب فطرة يهبها الله مع الحياة. أم الحيوان تحب صغارها وتدافع عن حياتها اذا ما اعتدى عليها معتد، وقد تهلك فى هذا الحب. والإنسان أي إنسان يحيا ليحب ويحب ليحيا، وقد صدق من قال : "الحياة الحب والحب الحياة". والحب يكسب الوجود البشري اتجاها وقصدا وغائية، وأيضا يخلع عليه عمقا ومعنى وقيمة حقيقية، وهو لذلك آداة لخدمة الإنسانية وتطورها ورقيها لأنه القيمة الفعلية فى حياتنا اليومية.إذن، الحب هو شغل الإنسان الشاغل، وهو قسم مشترك للجميع حتى أصبح موضع الكلام والحوار والنقاش وحتى البحث الدقيق لدى الجماهير، عامتهم وخاصتهم من الأدباء والفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة من قديم الزمان إلى يومنا الحالى حتى ما شاء الله. وهذه المقالة المتواضعة ستعالج- على الأقل- عن الحب فى الخطاب الأدبي والفلسفة والكلامي والتصوف.
2.الحب من الثقافة اليونانية إلى العربية
ولئن كان الخطاب الحبي فى الثقافة العربية وجد جذوره العريقة كما يتمثل فى الأشعار والقصص الجاهلية ونبغائها مثل أمرؤ القيس المعروف بـ"مجنون ليلى" وجميل بثينة وغيرهما، إلا أن الحديث عن الحب فى شكله النظري يعود تاريخه إلى القرن الثالث والرابع الهجريين مع تفتح آفاق العقلية العربية إثر شيوع الكتب اليونانية المترجمة إلى العربية مما فيها الكتب الأدبية. ولليونان، حسب تعبير أحمد أمين، فى هذه الأنواع كلها الشئ الكثير الذي أثر الأدب العربي قديمه وحديثه[i]. وخلال ذلك القرنين، برزت لدى مثقفي المجتمع أفكار جديدة وليونة نسبية فى التعامل مع هذا الموضوع، موضوع الحب.
ومما يدل على مدى عناية المثقفين المسلمين بموضوع الحب ودراسته وبالعشق وماهيته ما يروى أن فى ذلك القرن تقام المجالس والندوات لمناقشة وبحث هذه المسألة. وقد حدثنا المسعودى عن مجلس فى قصر الوزير" يحي بن خالد" ضمّ اثنين وعشرين مفكرا مسلما شغلهم الحب وانشغلوا به فراحوا يناقشونه ويعرفونه ويحددونه. قال علي بن الهيثم من متكلمي الشيعة :" الحب غير محدود، وهو ثمرة المشاكلة بين المحب والمحبوب، ولا يكون إلا بامتزاج الشكلين، أو بازدواج النفسين، وهو دليل على تمازج الروحين".وقال هشام بن الحكم شيخ الإمامية :" الحب لايكون إلا من اعتدال الصورة وتكافؤ فى الطريقة وملاءمة فى الهمة". وقال معمر بن سليمان المعتزلي "العشق هو نتيجة المشاكلة وغرس المشابهة". وقال إبراهيم بن سيار النظام شيخ المعتزلة :" الحب سحر والمحبوب هو الساحر والإفراط فيه يحطم الجسد"[ii]
إلا أننا نلاحظ أن الكثيرين ممن أقدموا على الكتابة فى موضوع الحب هم من الفقهاء، خاصة الظاهرية والمتكلمين الحنابلة الذين عنوا عناية كبيرة بالحب البشري ودرسوه دراسة موسعة رغم هجومهم على الحب الإلهي. وكان أبرزهم محمد بن داود الظاهري (ت 269هـ) صاحب كتاب "الزهرة" وهو فى موضوع الحب الإنساني، وابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) أيضا، صاحب كتاب "طوق الحمامة"، وجعفر السراج القارئ (ت 500 هـ)، وابن الجوزى (ت 597 هـ)، وابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) صاحب كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين". واتضح من مؤلفات هؤلاء، كما حقق به وفا أحمد، تأثير الثقافة الإغريقية كما تتأثر أيضا بالثقافة الفارسية والهندية التى انصهرت قصصها ومواقفها فى بوتقة الثقافة الإسلامية[iii]
فقد شاعت فى القرن الثالث الهجري كتب تجمع أشعار الغزل وحكايات العشاق العُذريين ومآسيهم، وأساطير أخرى عرفها العرب من الثقافات الأخرى وأفردت لها كتب أو رسائل صغيرة.[iv] لكن الحب أو الهوى العُذري ( الحب العذري وما يتعلق به يبحث فى الفصل الأخير من هذا البحث) المنـزّه عن شؤون العشق الجسدي كان له أصوله فى فلسفة أفلاطون. وقد ترجمت إلى العربية بعض محاوراته ملخصة، وعرفت عناوينها وموضوعاتها بشكل عام، ومنها محاورة فيدروس[v] ومحاورة المأدبة[vi]. وكذلك ذكر محمد بن داود الأصفهاني الظاهري، صاحب "الزهرة" بعض الأقوال والأساطير المتعلقة بأساس الحب، وهو" المشاكلة" ونسبها إلى بطليموس (Ptoleme ) وجالينوس (Galen )[vii]. للحب إذن قصص وأساطير وأفكار عرفها العرب من الثقافات الأجنبية.
3. التعريف بالحب
قد أثار المفكرون العرب حول "الحب" (مادة حب) تساؤلات اختلفت فى الإجابة عليها المواقف ووجهات النظر. ومنهم من بذل جهده إلى التركيز على أصل هذا اللفظ خلال المعاجم العربية وفى مقدمتها لسان العرب لابن منظوركما فعل به أحمد وفا حتى وصل إلى أن "الحب" له ما يزيد على الستين ا سما، وأن له عدة معان أكثرها تتعلق بالأمور خارج النطاق العاطفي والروحي أو بعبارة أخرى تتعلق بالمواد الحسية والجسدية.[viii] أما ابن قيم الجوزية فقد عرض ووسع البحث عن أصل "المحبة" ومشتقاتها ومعانيها قبل أن يصل إلى حدها وتعريفها. وكما أنه أطال الكلام عن حد المحبة وتعريفها فيما لا يقل عن أربعة وعشرين حدا استخلصه من كلام الأخرين.[ix]
وعلى الرغم من الاختلاف بخصوص أصل لفظ الحب، (الجدل الصاعد حول أصل لفظ الحب لم نسرده فى هذه المقالة قصدا إلى الإيجاز) إلا أن جمهور اللغويين يتفق على أن هذا الشعور شئ مألوف وعام فى حياة البشر بغض النظر عن اختلاف الأزمنة وتباين الثقافات. إن اسم هذه العاطفة فقد اشتق من تسمياتٍ لها نوعُ صلةٍ، أو مشابهة بتجربة الحب. وأما أصل لفظ الحب – كما استنتج به أحمد وفا[x] - فى بيئة العرب فقد يكون اشتقاقا من الجرة (مكان لاحتواء الماء) والبر والشعير وشجرة العشقة وحباب الماء إلى آخر ما توسّم فيه أهل اللغة أصلا ونوعَ مشابهةٍ. لكن الحق أن للحب متعلقات كثيرة، وأهمها مبدأ الانجذاب لما هو جميل والاحساس بالجمال وطلب اللذة. وقد طور الفكر هذه المتعلقات وسَما بها فرفعها من مواضيع حسية إلى شؤون ترتبط بالروح. ومنذ تلك اللحظة التى يخرج فيها الحب إلى عالم التجريد والسمو عن الأشياء، ويخطى العلاقات والقيود وتجاوز الحدود، انطلقت الأحاديث عنه إلى الجدية والتفلسف به لا محض ترف وهذر وان كان الحب دا ئما لا يخلو من ذلك النوعين.
أما الدراسات العربية الإسلامية فى هذا المجال فنلاحظ أنها تتخذ اتجاهين: الأول يدرس من حيث هو ظاهرة إنسانية تربط بين الذكر والأنثى. وهذا اتجاه المتأدبين وأكثر الفقهاء والمتكلمين. والثانى يعتبر هذا الحب فى مستواه البشري مرحلة أولى فى طريق المحبة الى الحب النهائي الإلهي، وهو نظرية المتصوفة فى الحب.
وبصدد الاتجاه الأول، قدم الجاحظ فى رسالته تعريفا للحب حاول من خلاله أن يثبت أن "الحب هو أصل الهوى، والهوى الذى يتفرع منه العشق، والعشق اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه حب"[xi] فالعشق يتركب من الحب والهوى والمشاكلة والإلف، وله ابتداء فى المصاعدة ووقوف على الغاية، وهبوط فى التوليد إلى غاية الانحلال ووقف الملال[xii]
أما ابن حزم رغم أنه ظاهري، فانه عمد إلى تعريف الحب كما كان الناس فى عصره (القرن الحادى عشر الميلادى) يعمدون إلى تعريف كل شئ. وعمد إلى تعريفه على النحو الفلسفى الذى ألفه أصحاب المنطق، فهو يثبت قبل كل شئ أن الحب حقيقة واقعة لا منصرف عنها ولا تخلص منها، وأنه من أجل ذلك شئ مباح لا ينكره الدين ولا العرف مادام لا يتجاوز حدود الدين والعرف. ثم يذكر بعد ذلك "مائية (ماهية) الحب". وماهية الحب عنده "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع".[xiii] وهذا التعريف ظاهر على ألسنة الأدباء، مستعمل فى بيان الحكماء. وأما المتصوفة فلا نكاد نعثر على خطابهم الحبي التعريف المحدد عنه، وإنما أكثروا غالبا عن التعابـير حول الحب. هذا، لأن الحب الصوفي يعلو ويفوق الحب الجسدي أو الحب العُذري الذى يتمحور بين حب الناس بعضهم بعضا أو حب شخص وآخر، بينما كان حب الصوفية يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى.
ومن هنا يسمى حبهم أيضا بالحب الإلهي أو الحب الروحي، وهو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى، وهو المحور الرئيسي الذى تدور حوله موضوعات التصوف. وليس الحب الإنساني عندهم الا طريقا إلى الحب أكثر بعدا وعمقا وهو ذلك الحب الإلهي.
ولهذا، وجدنا بعض الصوفية يعرّفون الحب أو المحبة بقولهم: "المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أنك لا يبقي لك حظ، ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة"،[xiv] وأما ابن الصمد فيقول :"المحبة هي التى تعمى وتصم، تعمى عما سوى المحبوب فلا يشهد سواه مطلوبا"[xv] ويقول أبي القاسم النصراباذى: "المحبة مجانبة السلو على كل حال" ويقول أيضا أبي الحسين النورى : " المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[xvi]
ومن هؤلاء الذين يرون أن المحبة الإنسانية جسر وبرزخ للحب الإلهي ابن الدباغ (ت 697 هـ) الذى أكد أن الحب الجسدي أو اللذة بالمحسوس له الأسبقية على الحب الروحاني"[xvii] فجدلية الحب عنده تأخذ بُعدين: بُعد الحب الجسدي حيث تتحول المحبة إلى "حمرة خجل أو صفرة وجل، أو استحالة الدم إلى مَنيٍ عند تصور لذة الوقاع"، وبُعد الحب الإلهي حيث تتحول المحبة إلى "لذة وقهر وابتهاج وطرب وإغماء"[xviii]
4.الحب فى الخطاب الفلسفي
كما قد سردنا فى الفصل الثاني من هذه المقالة أن الحديث الحبي الجدّي فى الثقافة العربية متأثر –قليلا أو كثيرا – بالثقافة اليونانية. لذا، أرى ضرورة إعادة النظر للفكرة الفلسفية فى الحب فى التراث اليوناني ليتمكن من الوصول الى البحث فى نفس الفكرة فى التراث العربي.
إن الخطاب الحبي فى التراث اليوناني له صلة بفكرة "الخلق" أى خلق العالم الموجود.وذلك لأن الفلاسفة الأوائل كانوا يبحثون عن المبادئ الأولى للأشياء فى طبيعة المادة. منهم من يقول أن أول شيئ هو الماء كما قال به طاليس (Thales)، ومن قال إن "النوس" أو العقل هو علة الجمال والخير فى الوجود كما أنه علة الحركة فى الموجودات، وهذا رأي انكساجوراس (Anaxagoras). ومنهم أيضا من قال إن الحب أو الرغبة هو مبدأ الأشياء. ومن الممكن –كما قال أرسطو (Aritoteles) - أن هزيود هو أول من ذهب بهذا المذهب ثم تبعه بعد ذلك برمنيدس (Parmanides) حين جاء فى قصيدته أن أفروديت (Aphrodito) خلقت الحب، وهو أول الآلهة.[xix]
معنى ذلك أن الحب هو الذى يمنح الأشياء الحركة والنظام. وتلك هي العقلية الإغريقية التى رأت الوجود حبا وجمالا. ومن الفلاسفة من يقول بمبدأ الوجود : الحب والكراهية (إمبادوقليدس - Empedokles)، فالحب هو مبدأ الخير والكراهية هي مبدأ الشر، وفضلا عن ذلك ، فالحب يوجد والكراهية تغرق.[xx] أما ديموقريطس (Demokritos) ولوقيبوس (Leukippos) فيعتقدان أن الوجود واللاوجود، الملاء والخلاء، هما مبدأ الأشياء. وخلاصة القول، كان الكون فى نظر الإغريق الأسطوري والمثلي فاتنا ساحرا، أصله الحب، وصورته الجمال، بل يري أفلاطون أن الحب (ايروس/eros) هو أصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.[xxi]
صحيح أن أرسطو كان له الفضل فى تخليص الفكر الإغريقي، بل والفكر الإنساني كله من الأسطورة، كما أنه جعل البحث الفلسفي مقرونا بالبحث عن العلل والمبادئ، وكما أنه أيضا يجعل من المنطق أداة للعلم وطريقا موصلا إلى الحقيقة، ولكنه ومع ذلك فإنه-كما قال عويضة- يذكر أن العالم يتحرك شوقا إلى الله[xxii]. وهذا "الشوق" الذى يدفع المادة أو الأفلاك إلى الاتصال بالصورة الخالصة أى الله بواسطة عقول الأفلاك. فالرغبة والشوق والحب كلها مبادئ مسلم بها فى الفكر الإغريقي. فالرغبة تحرك النفس، والشوق يحرك المادة، والحب يحرك العقل.
وليس من الصدفة اذا وجدنا بعض المفكرين المسلمين فى نظر خلق العالم يسلك الطريقة أكثر شبها بتلك الفكرة الإغريقية من حيث المنهج. هذا العلامة شمس الدين محمد بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (691-751هـ) مثلا فى كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" قد أفرد بابا خاصا يبحث فيه العلاقة بين الحب ووجود العالم، وهو "الباب الرابع : فى أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وإن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب".[xxiii]
وابتدأ ابن القيم فى هذا الباب بتقسيم الحركات، وهي عنده ثلاثة أنواع: حركة إرادية وحركة طبيعية ثم حركة قسرية (القهرية اللاإرادية). إن المتحرك إن تحرّك بإرادته فحركته إرادية، وإن تحرك بغير إرادته فإما أن تكون حركته إلى نحو مركزه أولا، فإن تحرك إلىجهة مركزه فحركته طبيعية، وإن تحرك إلى غير جهة مركزه فحركته قسرية. ثم أتى بعد ذلك ببيان تفاصيل هذه الحركات حتى انتهى إلى القول الذى مؤداه أن تلك الحركات إنما تتحرك بمحركها، فالمحرك –عند ابن القيم- هو الملائكة الموكلون بها(وهم المحركون الثاني) بأمر من الله الذى هو المحرك الأول. والملائكة حينما يفعلون ما أمرهم الله إنما يفعلونه محبة وطاعة بأمره وإرادته. وكذلك كانت جميع الحركات الفلكية وما حوته تابعةً للحركة الإرادية المستلزمة للمحبة، فالمحبة والإرادة أصل كل فعل ومبداه، فلا يكون الفعل إلا عن محبة وإرادة.[xxiv]
وواضح من البيان المذكور أن هناك اتفاق بين الفكرتين (الإغريقي وابن القيم) من أن الحب له دور كبير فى فكرة الخلق بالرغم من وجود الاختلاف بينهما من حيث العلة.فالفكرة الإغريقية الأفلاطونية رأت أن الحب نفسه هو الذى يخلق العالم لأنه من الآلهة، أو أنه محرك العقل لإيجاد العالم كما ذهب إليه أرسطو، أما ابن القيم فإنه يعتبر أن الحب هو الأساس لخلق الكون، والخالق والمدبر هو الله بتحريك رسله من الملائكة الموكلين. ومع ذلك، فإن تلك الفكرتين تتفقان على أن الحب هو أصل كل فعل ومبداه وأصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.
هذه من جهة، وهناك فكرة تعتـبركجهة أخرى جذبت عقول عدد كبير من المفكرين العرب وهي "إشكالية المشاكلة". وقد زعمت هذه النظرية ارتباط مصائر البشر بتأثيرات الأفلاك والنجوم والكواكب، بحيث تتدخل هذه فى ايقاع المحبة أو الكراهية بين الأشخاص، وهذه الفرضية –كما يقول أحمد وفا[xxv]- تعود فى بدايتها لبطليموس (Ptoleme ). وقد وجدها الذى عاش فى الإسكندرية فى القرن الثاني بعد المسيح، فجرت أهم الإشكالات فى قضية الحب: وهي إشكالية إنسانية الحب أو إلهية، فانقسمت الآراء لدى الإسلاميين إلى إتجاهين: (1) القائلون بأن الحب قضية إنسانية مركبة فى الطباع البشرية انسجاما واتفاقا ونفورا وكراهية. وهذه النظرية عرفت بنظرية المشاكلة، وهي ذات أبعاد أفلاطونية (Platonism)، (ب) القائلون بأن الحب منّة إلهيّة هيأها الله فى سلسلة من التراتيب والنظم التى تتدخل فيها الأقلاك والكواكب فى تحديد خيرية وشرية الإنسان، وتتحكم فى محبة الناس وكراهيتهم، وتعود هذه النظرية فى جذورها إلى بطليموس واينيذوقلس[xxvi]
ومن هؤلاء الفلاسفة المسلمين الذين تأثروا بالفكرة الأفلاطونية إخوان الصفا، وهم يرون أن العلة فى محبة شخص لشخص آخر اتفاق مشاكلة الأشخاص الفلكية فى أصل مولدهما بضرب من الضروب الموافقة من بعض لبعض، فهي كثيرة الفنون. فمنها أن يكون مولدهما ببرج واحد أو رب البرجين كوكب واحد، أو يكون البرجان متفقين فى بعض المثاني كاالمثلّث، أوتكون مطالعهما متساوية، أو ساعات نهارهما متفقة، وما شاكل ذلك.[xxvii]
وقد توسم بعضهم لهذه النظرية دعما فى الحديث النبوي الشريف: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وتصدى بعض المفكرين مثل ابن قيم الجوزية –كما قد ذكرنا جزأ من أفكاره من قبل- وابن حزم لبحث نظرية المشاكلة من جديد. ورفض بعضهم تفصيلات معينة فى هذه النظرية ومنها تأثير النجوم والكواكب فى فرض التشاكلات على المجتمع الإنساني، فوضع ،مثلا، ابن سينا والفارابي وابن حزم رسائل فى نقض أصول هذه الفرضية.[xxviii]
نعم، إن ابن حزم رفض هذه الفكرة ذات الأفلاطونية النـزعة، ولكنه مع هذا، يقول أن مائية (ماهية) الحب هو "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع". وكان بذلك –كما قال طه حسين- يذهب إلى ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من قدماء اليونان من أن هناك عنصرا رفيعا تأتلف منه نفس واحدة قد قسمت أجزاؤها على المخلوقات ذوات النفوس. فقد يحدث اتصال بين هذه الأجزاء المقسمة بين الناس فيكون الحب، وقد يحدث انفصال فيكون البغض. وبمقدار ما يكون الاتصال قويا أو ضعيفا يقوي الحب أو يضعف، وبمقدار ما يكون الانفصال قويا أو ضعيفا يشتد البغض أو يلين.[xxix]
5. الحب فى الخظاب الكلامي
فقد أثبت التاريخ أن العلماء المسلمين فى العصور الوسطى وما يليها هم النحاة والأدباء والفقهاء والمتصوفة، كما أنهم أيضا الفلاسفة والمناطقة والمتكلمون فى نفس الوقت كما وجدنا فى شخص ابن الرشد والغزالي وابن سينا وابن حزم وغيرهم. فليس غريبا اذا كان الأمر الواحد يبحثه العلماء من شتى النواحى. فلنأخذ- على سبيل المثال- قضية الحب أو المحبة فىساحة الفكرة الإسلامية لايدور البحث فيها من ناحية فلسفية فحسب، بل أصبحت أيضا فضية كلامية. فقد أثارت انسانية الحب وارتباطه بالأنا تساؤلاتٍ حول جبرية الحب أو اختياريته، هل هو اختياري أو جبري خارج عن مقدور البشر؟
فالقائلون بجبرية الحب واضظراريته يقولون بالجبر والحتمية فى حياة الإنسان، وهو بمنـزلة محبة الظمآن للماء البارد ، والجائع للطعام، وهذا مما لا يُملَك. والقائلون باختيارية الحب يدافعون عن حرية الإنسان فى تحديد مصيره، مما يلزمهم بالقول بالكبت ومدافعة طارئ المحبة[xxx] ورأى بعضهم أن الجبر والاختيار معيار للتمييز بين المحبة والعشق. فالمحبة تعني الاختيار، والعشق يعني الجبر. ولهذا، عرفت المحبة لديهم بالإرادة، فألزم المحب بالاختيار.
أما لسان الدين بن الخطيب-كما نقلنا عن وفا أحمد-فقد صرح بتساؤلات محيرة فى هذا الصدد، فقال: "هل تكتسب المحبة أو تدخل تحت الاختيار، أم هو أمر يطرق الإنسان على سبيل الضرورة التى لا اختيار فيها كالخجل والحياء…"[xxxi] وعندما يربط ابن الخطيب المحبة بعوامل خارجة عن معرفة الإنسان كالمناسبة والجمال، فإنها تقع فى الجبر. وهذا ما عناه عندما قال إن المحبة فى الكائنات جبرية كحنين الحيوان إلى بعضه وانجذاب المغناطيس للمعدن[xxxii] لكن عندما يربطها بالعقل الإنساني وقدراته التى تربط بالأسباب والنتائج يدرك أن ذلك يتطلب اختيارية المحبة، وخاصة فيما للعقل عليه اشرا ف، والتى فى الغالب هي سعي نحو إكمال النقص الخاص بالإنسان بمحبة كمال البقاء، ومنها محبة الهداة والعلماء والأنبياء[xxxiii]. وابن الخطيب بذلك يجاري ابن سينا الذى جعل عشق الحجر إلى موضعه قسريا ( اللا إرادي )، أما عشق الحيوان إلى التوليد بما هيأه الله من آلات موافقة فى المعشوق فهو عشق اختياري.[xxxiv]
إن الخلاف حول اختيارية الحب أو جبريته فى الخطاب الكلامي هذا، أدى وبالتالى إلى اختلاف آخر، وهو: هل يستحق المحب العقاب أو الثواب بما يتولد منه من الأفعال أم لا؟ ولفصل النـزاع بين الفريقين، يرى الكاتب ضرورة نقل رأي ابن قيم الجوزية فى هذا الصدد، وهو قال: "أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري,فإذا أتى بالأسباب كان ترتُب المسبَّب عليها بغير اختياره كـما قيل:
تولَّع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأىلجُـة ظنها موجـةً فلما تمكّن منها غـرق
تمنىّ الإفاقـة من ذنبـه فلم يستطعها ولم يستطق
وهذا بمنـزلة السكر من شرب الخمر، فإن تناوُل المسكر اختياري وما يتولد عنه السكر اضطراري، فمتى كان السبب محظورا ، لم يكن السكرانُ معذورا. ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنـزلة شرب المسكر فهو يلام على السبب، ولهذا إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك"[xxxv].
هكذا يقول المتكلمون، وهم لا ينظرون إلى كل شئ من الأمور الإنسانية إلا ويربطونها بالمسائل الدينية أو العقيدية وما يترتب منها من العقاب والثواب، أو الحسن والقبح، أو الذم والثناء. والكلام فى الجبر والاختيار هو من كلام المتكلمين فى شتى الأمور فيما بينها قضية الحب التى لا يخلو من هذا المنظر الكلامي، فلننتقل الآن إلى الصوفية فى نظرهم إلى الحب.
6. الحب فى الخطاب التصوفي
إن المنهج الذي يسلكه المتصوف للحصول على المعرفة أو طريقها يختلف اختلافا عما يسلكه الفيلسوف أو المتكلم. فاذا كانت الفلسفة أو الكلام عقلي الطابع فالتصوف وجداني النـزعة، وقد يعمد بعض المتصوفة الى التعبير عن حالاتهم الوجدانية الخاصة بطريق الرمز، فتغلب على عباراتهم صيغة الإبهام والتعقيد، كما تكون اللغة أداة عاجزة عن التعبير عن الوجدانيات تعبيرا صادقا، وقد يحدث أحيانا أن يختلف اثنان من المتصوفة فى التعبير عن حالة وجدانية معينة اختلافا لفظيا. ويلاحظ أن عبارات المتصوفة تحتمل عادة معنـين أحدهما لغوي ظاهر، وهو ما يستفاد من ظاهر الألفاظ، والآخر ذوقي باطن، وهو ما يستفاد بواسطة التحليل والتعمق.
هذا هو الحب الصوفي أو الحب الروحي أو الحب الإلهي، يتشعب فيه كلام ويطول فيه بحث فى طيات الكتب قديمة كانت أو حديثة، تحاول كلها على تصوير هذا الحب مهما ضعفت رسم حقيقته والعثور على كنهه لاختلاف الصوفية بعضهم بعضا فى تعبيرهم عن حبهم الإلهي. وكذلك اختلفت آراء الباحثين في هذا الحب، بعضهم يقول : أن الحب الصوفي هو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى. هذا لمن يرى " أن التصوف هو سلسلة متصلة الحلقات من الحالات الوجدانية الخاصة كابي الوفا التفتازاني".[xxxvi] وهذا التعريف من التصوف هو الذى تعتمد عليه هذه المقالة.
وهذا الحب عنده عاطفة تمر بمراحل مختلفة متصلة قبله كالقلق النفسي والحزن العميق والخوف من أشياء مجهولة ومحاولة استكناه الكون وكشف المحجوب وغيرها، ثم يعانى المتصوف بعد ذلك، الحب الإلهي أو العشق الصوفي.[xxxvii] والحب الإلهي أيضا هو أرفع المثل الروحية لأنه يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى، وليس هذا الحب شطحا ولا عبثا وإنما هو ثمرة حقيقة الإيمان القوي والتدين العميق، وينعكس أثره على حياة الفرد تهذيبا، وعلى حياة المجتمع ارتقاء. والحب الصوفي يتخذ عدة مظاهر تختلف قوة وضعفا، كما أن العاطفة الصوفية تتطور أحيانا بحيث يشعر المتصوف بأنه عاشق ومعشوق فى آن واحد.
واعتبرت رابعة العدوية أول من هتف فى رياض الصوفية بنغمات الحب شعرا ونثرا، وعرفت أنها أيضا من فضلاء عصرها وأزكاهم فطرة وأسماهم نفسا وأشدهم عزوفا عن الدنيا وزخارفها حتى يكون انقطاعها إلى الله قد وجّه نفسها الشاعرة وجهة حب إلهي فغنت بأناشيدها فى مثل قولها[xxxviii] :
أحبك حبـين حـب الهوى وحبا لأنك أهـل لـذاك
وأما الذى هو حـب الـهوى فشغلى بذكرك عمن سواك
وأما الذى أنـت أهـل لـه فكشفك للحجب حتى أراك
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لـى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
ثم يأتى بعد رابعة الصوفية أو المتصوفة الآحرون يعبرون عن مشاعرهم الحبية الإلهية بشتى التعبيرات، ويرتبها فى الحالات أو المقامات تختلف بعضها بعضا من حيث الترتيب. فأبو الحسن الشاذلي، مثلا، يرتب المحبة فى المقام أو الطريق السابع عشر أو الطريق الأخير من الطرق أو المقامات التى أولها الإخلاص، التوبة، النية، القصد، الخلوة، الجهاد، النفس، الدنيا، العبودية، الطاعة، درجات درجات، الذكر، الورع، الزهد، التوكل، الرضا ثم المحبة.[xxxix]
وأما عند محي الدين ابن عربي فيرى أن حب الله ينبغي أن يكون ثمرة ممارسة أعلى الفضائل الأخلاقية وأن يكون الغاية القصوى لكل المقامات العالية. وأولى هذه الفضائل إتباع الرسول لأنه نموذج لكل كمال، ثم التوبة، طهارة القلب،ثم يأتي بعد ذلك الصبر فى البلاء والشكر على النعم الإلهية، فهاتان درجتان للصعود إلى الحب.[xl] ويرى السهروردي أن المحبة حال ومقام فى آن واحد.
والمهم أن نلاحظ أن بعض الصوفية يعتبرون الحب الإلهي موصلا إلى المعرفة، والبعض الآخر يرى أنه هو نتيجة للمعرفة. والحق أن يقال أن الحب والشوق إلى الله يدفعان بالمتصوف إلى التعرف على الله، كما أن المعرفة بالله عز وجل تزيد من شدة الحب وقوته، فالحب سابق ولاحق بالنسبة إلى المعرفة.
وباختلاف مكانة الحب الإلهي عند الصوفية بين الحال والمقام وتراتيبها، وبالتالى يختلف أيضا تعبيراتهم فى تحديد هذا الحب، فها هي بعض تلك التعبيرات نمثله فى هذا الصدد: قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي :"المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيئ سواه، فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصنا بمعرفته، والروح مأخوذة فى حضرته، والسر معمورا فى مشاهدته .."[xli]. وقال أبو عبد الله النباجي:" المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أن لايبقى لك حظ ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة" وقول أبي القاسم النصر أباذي :"المحبة مجانبة السلوّ عن كل حال" وقول أبي الحسن النوري :"المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[xlii]
ويرى ابن عربي أن محبة الله لا تتحقق إلا إذا وهبت كلك لمن أحببت بحيث لا يبقى لك منك شيئ، ولن يتحقق ذلك إلا بعد سلامة القلب من جميع كدورات النفس، فإذا استقرت محبة الله فى القلب خرجت محبة غيره، لأن المحبة صفة محرقة تحرق كل شيئ ليس من جنسها[xliii] وكذلك الشاذلي يقول:" من أحب الله وأحب لله فقد تمت ولايته بالحب، والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة غير مشيئته.."[xliv]
ودعا جلال الدين الرومي إلى هذا الحب دعوة سافرة وذكر عجائبه وتصرفاته فى بسط وتفصيل فيقول: "إن الحب يحوّل المر حلوا، والتراب تبرا، والكدر صفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، وهو الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة ويسود العبد. إن هذا الحب هو الجناح الذى يطير به الإنسان المادي الثقيل فى الأجواء، ويصل من السمك إلى السماك، ومن الثرى إلى الثريا".[xlv]
بل لقد غلب على ابن الفارض- سلطان العاشقين- الحب الإلهي إلى الحد الذى اعتبره مرادفا للحياة، إذ لا حياة بدونه، كما أن الموت به هو عين الحياة كما أشار به فى شعره:[xlvi]
إن الغرام هو الحــياة فمـت به صبا فحقك أن تموت وتعـــذرا
وان شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا والا فالغرام لــه أهــل
فمن لم يمت فى حبـه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحـل
وعلى الجملة، فالحب الإلهي أو الحب الصوفي هو الحب الذى لا يعرف حد النهاية، فهو بحر لا ساحل له، وطريق لا ينتهي مسلكه، وعين ثري لا تطفئ الظمأ حيث أن تجليات الحق قد لا ترتوى بها عارف ولا يشبع منها مشتاق. ومن هذا، يختلف هذا الحب الوفيّ عن الحب غيره المعروف بالحب الجسدي وحتى بالحب العذري. وكل من هذين الحبـين قد ينطفئ بالوصول وينتهي بتحقق المراد، ومن ثم تهدأ النفس بعد أن تضيع جذوتها المشتعلة.
وفى هذا الصدد، يقول أبو القاسم القشيري:" من الأحوال السَنية فى المحبة الشوق، ولا يكون المحب إلا مشتاقا أبدا، لأن الحق لا نهاية له، فما من حال يبلغها المحب إلا ويعلم أن وراء ذلك أوفى منها وأتمّ، ثم قال، هذا الشوق الجاذب عنده ليس كسبة، وإنما هو موهبة خص الله بها المحبين".[xlvii]
7. الحب فى الخطاب الأدبي
ومما لاشك أن موضوع الحب فى المجال الأدبي وفنه كله فيما فيها الأدب العربي أكثر موضوع حديثا وبحثا وحتى لا نرى أن العمل الأدبي قديمه وحديثه، شعره ونثره إلا والحب يحتل جزأ لا يتجزأ منه. فالحب فى العمل الأدبي ليس لهوا ولا عبثا ولا مُجونا، بل جزء من صورة الحياة الواقعية. فالدكتور طه حسين لَخيرُ الباحثين فى رسم هذه الصورة حين يقول: " وقد مضى فى تاريخنا الأدبي والعقلي عصر لم يكن الحب هزلا ولا دعابة، وإنما كان جدا خالصا لا يخلو من صرامة وحزم فى كثير من الأحيان […] وإن حب الغزلين لم يكن لهوا ولا مجونا ولا مصدرا للدعابة والفكاهة، وإنما كان جزءا من جد الحياة اقتضته ظروف من السياسة والدين".[xlviii]
وكذلك إن أحاديث الحب لا تقتصر على لسان الشعراء والأدباء، بل يتعدى أيضا إلى العلماء. وعبد الرحمن بن أبى عمار الجُشَمي مثلا، صاحب قراءة القرآن ورواية للحديث وإقبال للنسك والزهد وتفرّغ للعبادة والطاعة حتى لقبه أهل مكة بالقَسّ فلم يمنعه ذلك – حين رأى سلامة وسمع غناءها – أن يحبها حبا انتهى به إلى الهيام وجعله شاعرا غزلا كغيره من الشعراء الغزلين. ولم يجد ذلك حرجا ولا جناحا، لأن ذلك لم يورطه فى إثم ولا فسوق. وعبد الرحمن بن أبى عمار القس هو الذى يقول فى" سلامة" ( عشيقته ) هذين البيتين الرائعين:[xlix]
سلامُ هل لي منكم ناصـر أم هل لقلبي عنكم زاجر
قد سمع الناس بوجدى بكم فمنهم اللائم والعــاذر
وإذا كانت اليونان لها ميزتها بنظرية الحب المعروف بالحب الأفلاطوني أو الحب الدال على الهوى (Erose) كما قد ذكرناه فى الفصل السابق، فللعرب أيضا نظريتها الخاصة للحب أو الغزل، خاصة الغزل الذى انتشر منذ أيام بني أمية. وفى هذا العصر، حسب تقسيم طه حسين، ثلاثة أنواع من الغزل أو الحب: غزل أو حب العذريين، الذين كانوا يتغنون فى شعرهم هذا الحب الأفلاطوني العنيف، والثانى غزل الإباحيين (المحققين) الذين كانوا يتغنون الحب ولَذاته العملية كما يفهمها الناس جميعا. والثالث، الغزل العادي الذى ليس هو فى حقيقة الأمر إلا استمرارا للغزل القديم المألوف أيام الجاهليين. والحب من النوع الأول والثانى لا يوجدان إلا فى الحجاز وما يليه من البلاد العربية الخالصة، كما لا يوجد فى العراق والشام- وهما الإقليمان اللذان كانا مجتمع الحياة السياسية الأموية – إلا نوعين من الشعر: أحدهما الشعر العادي من مدح وهجاء ووصف، والثانى الشعر السياسي الذى تتناضل فيه الأحزاب.[l]
ومن تلك الأنواع الثلاثة من أنواع الحب المذكور، يركز هذا البحث على الحب العُذري مع ملاحظة قدر ممكن من نوع الحب غيره، لأننا نرى أنه هو الذى أكثرَ الكُتاب من الأدباء من بحث هذا النوع من الحب، وأن له أيضا ميزته الخاصة من حيث النوع وأصحابه. وللحصول على معرفة حقيقة هذا الحب يجدر بنا إلى ذكر ما بينه الدكتور زكي مبارك عما يتعلق بهذا الحب، وهو يعرّف بأن الحب العذري "هو حب خالص من شوائب الدنس والرجس، هو حب طاهر شريف لا يعرف مخزيات المآثم ولا منديات الأهواء"[li] أو أنه "حب نقي طاهر ممعن فى النقاء والطهارة".[lii] وبقول آخر، إن الحب العذري هو حب حقيقي لا يصحبه معه أفعال غير شرعية أو تحلل من الخُلق الفاضل.
وكان هذا الحب منسوبا إلى بنى عُذرة، إحدى قبائل قضاعة التى كانت تنـزل فى وادى القرى شمالى الحجاز، لأن شعرائها أكثروا من التغنى به ونظمه. ويروى أن سائلا سأل رجلا من هذه القبيلة: ممن أنت ؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. ويروى أيضا أن سائلا سأل عروة بن حزام العذري، صاحب عفراء (عشيقته): أ صحيح ما يروى عنكم من أنكم أرق الناس قلوبا ؟ فأجابه: نعم، والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت وما لهم داء إلا الحب.[liii]
ثم أصبح بعد ذلك أن كل حب أو عشق وهيام الذى لا تصحبه الأعمال الرذيلة غير الشرعية ولا تحلل من الخلق الفاضل يسمى ويعرف بـ"الحب العذري". وكان أكثر العشاق العذريين من أهل القرى والبوادى الذين لم يعرفوا الحب الحضري المترف ولا الحب الذى تدفع إليه الغرائز، وقد كانت بدواتهم وتدينهم بالإسلام الحنيف تعصمهم من مثل هذين اللونين من الحب. وكانوا إنما يعرفوا الحب العفيف السامى الذى يصلى المحب بناره ويستقر بين أحشائه، حتى ليصبح هذا الحب كأنه محنة أو داء لا يستطيع التخلص منه ولا الانصرا ف عنه.
وقد وجد هذا الحب العذري فى العصر الأموي، ولم تقف موجة الحب العذري لهذا العصر عند بنى عذرة وحدها ، فقد شاع فى بوادى نجد والحجاز وخاصة بين بنى عامر. ورغم من الاختلاف من حيث شخصيات العشاق أو المحبين العذريين بين الأشخاص التاريخية الحقيقية والأشخاص الرموزية الخيالية من صنع الرواة، إلا أن هذا الاختلاف لا يقلل من أهمية هذه الظاهرة الصحيحة التى حدثت أثناء المجتمع العربي فى القرون الماضية. أو كما قال زكي مبارك: إن الحب العذري حقيقة من الحقائق وليس فرضا من الفروض. ولا يرتاب فى الحب العذري إلا الذين ضاقت منادح أهوائهم فلم يَجرَوا إلا فى ميدان الحسن المبذول، وأولئك قوم يمشون فى دنيا الحب مشي المقيد فى الوحل، فلا يتعالون إلى فكرة سامية ولا يسامون إلى مقصد رفيع".[liv]
ومن العشاق العذريين المشهورين والتاريخيين جميل بن معمر، وكُثيّر بن عبد الرحمن، والعباس بن الأحنف. وكانوا من أقطاب الغزل فى شباب العصر الإسلامي، ويمتاز هؤلاء العشاق الثلاثة بالجد فى العشق، وبالحرص على كرامة الحب، وبالإشادة بالعفاف. فالهوى عندهم شريعة وجدانية، وليس لهوا ولا عبثا. أولئك رجال آمنوا بالحب فعظموه ومجدوه، واستهانوا من أجله بما يقاسى عُباد الجمال من مصائب وأهوال. وهذا كله وجدناه فى سيرة حبهم الحقيقي العذري كمحبة جميل إلى بثينة، وكثيّر إلى عزة، والعباس إلى فوز، التى أشارت إلى الجانب الروحاني من حيوات هؤلاء الشعراء، وهو الجانب الخاص بالوفاء الذى هو اللون الثابت من ألوان التماسك الروحي، وذلك هو السبب فى عده من مكارم الأخلاق.
ولا يسع هذا البحث لسرد قصة هؤلاء العشاق بجملتها، ولأنه أيضا لا يقصد لذلك، وإنما يراد لكشف ما وراء تلك القصة التى تتضمن فى طياتها. وجملة القول أن الحب العذري هو الحب أو العشق اللهيب بين الرجل والمرأة التى لا ينتهى إلى جمعهما جسديا بسبب أو بآخر، وإنما يجمعهما روحيا، ويخلد ولا يهدأ نار هذا الحب فى قلبهما إلى أن فارقتهما الحياة. وأما الحب الإباحي فبعكس ذلك.
إن العذريين والإباحيين كانوا جميعا من أهل الحجاز كما قد ذكرناه، إلا أن هذين الفريقين يختلفان من ناحية الحياة الاجتماعية والبيئة ومكانتهما فيها. فالإباحيون من أهل الحاضرة يعيشون فى مكة والمدينة، على حين أن العذريين من أهل البادية يعيشون فى بادية الحجاز أو نجد. فالإباحيون من أبناء المهاجرين والأنصار أو من المتصلين بهم، والعذريون من قبائل أعرابية ليس لها شأن عظيم فى الإسلام، وإنما هي محتفظة احتفاظا شديدا ببدواتها القديمة وعاداتها الجاهلية الموروثة. أو قُل إن الإباحيين يكونوا فى الطبقة الأولى من الأرستقراطيين ("البـرجوازيين") فى المجتمع، والعذريين من الطبقة السفلى من البـروليتريين الفقراء.
ولئن كان يختلف هذان الفريقين من حيث المكانة الاجتماعية وبالتالي تؤثر أيضا في سلوكهم الاجتماعي وطريق تعبيرهم الشعوري، إلا أنهما يتفقان فى واقع واحد وظاهرة واحدة وهو اليأس والحزن يعانيان من أهل الحجاز جملة. فلنعد الآن إلى التاريخ لبيان تلك الظاهرة. كما قد بيناه أن الحب العذري والإباحي نشآ منذ أن كانت أمية استولت على الخلافة، ولم تمضى أيام قليلة من أيام خلافتها حتى غيرت هذه الخلافة أنظمة و أبنية الحكومة التى ثبتت من قبل. وكانت الخلافة الأمية لم تعد تجعل البلاد العربية (الحجاز وما يليه) كمقر ومركز سياسي هامّ، وإنما نقلته إلى الشام، وكما انتقل أيضا مركز المعارضة منها إلى العراق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت هذه الخلافة –كما أشار إليه التاريخ- تميل أكثر إلى حلفائها من ذوى القرابة، وتركوا غيرهم من كبار الصحابة وأبنائهم فى سياسة الدولة وتدبيرها وتنظيمها. برغم من أن الخلافة الأموية تكرمهم من ناحية مادية ومالية، ولكنها تهمشهم من ناحية سياسية. وهؤلاء الأجيال من أبناء المهاجرين والأنصار يعيشون بكفاية وثراء من الأموال، وهم مع ذلك يعيشون فى حالة غير مطمئنة، أو قُلْ فى أزمة ذاتية لأنهم يعانون من التهميش فى دورهم السياسي الملحوظ لتخليهم من الرياسة والمكانة المرموقة وسط مجتمعهم بعد أن كانوا ممن ذاقوا حلاوة تلك المكانة. وهذه الحالة، بطبيعة الحال، أدّتهم إلى اليأس والحزن والأزمة النفسية، وبالتالى أدتهم إلى اللهو والاسرا ف للفرار من يأسهم وحزنهم. ومن هؤلاء الشبان الأشرا ف اليائسين عمر ابن أبي ربيعة وأمثاله فى مكة، والأحوص بن محمد وأمثاله فى المدينة، ونشاؤا هؤلاء بين المغنين وأهل المزاح.
والعذريون كذلك هم يعانون من اليأس والحزن فى مواجهة حياتهم الاجتماعية القاسية ليس أقل مما يعانى من الإباحيين (المحققين).لم يتح لهم اللهو كما أتيح للإباحيين لأنهم من الفقراء، ولكنهم تأثروا بالإسلام، وبالقرآن خاصة، فنشأ فى نفوسهم شئ من التقوى ليس بالحضري الخالص، وليس بالبدوي الخالص، ولكن فيه سذاجة بدوية، وفيه رقة إسلامية. ومن أجل ذلك، فالعذريون مع يأسهم وحزنهم لفقرهم من ناحية، ولحرمانهم من معشوقاتهم من ناحية أخرى، فهم لا يهربون إلى اللهو المكروه والعبث المبغوض أو الإقدام على الأعمال غير شرعية، ولكنهم التجأوا إلى اصطناع الشعر يغنون به تعبيرا عن مشاعرهم اليائسة والحزينة وتخلصا منها.
ومن هنا، لقد صح ما قيل أن الأدب صورة المجتمع تعكس عليه حياة الشعب الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها من مآسيهم وسعادتهم، حزنهم وفرحهم. ويتأثر الأدب بالظروف المحيطة به والمجتمع الذى يوجد فيه، وبالبيئة التى يفسر حياتها وبالطبيعة التى يعيش بخيالها وغير ذلك.
8. الخلاصة
إن الشرح عن مسألة الحب وتفاصيله كما هو المذكور إن دل على شيئ، فإنه يدل على أن الحب هو عنصر ثابت فى الوجود لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وهو الشغل الذى يشغل بال الناس جميعا عامتهم وخاصتهم، فيما منهم الفلاسفة حيث يسعون لإدراك ما بين الإنسان والعالم من صلة وعلاقة، ويكشف عما يربط بينهما من ألفة ومحبة وصداقة، عِلمًا بأن الفلسفة كما يعرفها هيدجر (Heidegger ) هي "حكمة الحب" كما أنها أيضا "محبة الحكمة" عند تعريف الفلاسفة غيره. والله أعلم بالصواب
الفقير إلى رحمة ربه الغفير زمزم أ. عبدالله.
مدرس بكلية الأدب الجامعة سونن كاليجاكا.
الخطاب الحـبي فى التراث العربـي : الفلسفي، الكلامي، التصوفي والأدبي
بقلم : زمزم أفندي عبد ا لله
"من لم يفقهه الهوى فهو فى جهل"
( ابن الفارض )
"الحب معرفة علوية تنـير بصا ئرنا فنرى الأشياء كما يراها الآلهة"
( خليل جبـران )
1.مقدمة
إن الحديث عن الحب حديث شائق، وأن البحث فيه شائك. والقضية الحبية قضية قديمة قدم الإنسانية نفسها وأقدم من الحضارة التى انبثقت عنها. والله جل شأنه لما منح الحياة للحيوان منحه معها الحب، فالحب فطرة يهبها الله مع الحياة. أم الحيوان تحب صغارها وتدافع عن حياتها اذا ما اعتدى عليها معتد، وقد تهلك فى هذا الحب. والإنسان أي إنسان يحيا ليحب ويحب ليحيا، وقد صدق من قال : "الحياة الحب والحب الحياة". والحب يكسب الوجود البشري اتجاها وقصدا وغائية، وأيضا يخلع عليه عمقا ومعنى وقيمة حقيقية، وهو لذلك آداة لخدمة الإنسانية وتطورها ورقيها لأنه القيمة الفعلية فى حياتنا اليومية.إذن، الحب هو شغل الإنسان الشاغل، وهو قسم مشترك للجميع حتى أصبح موضع الكلام والحوار والنقاش وحتى البحث الدقيق لدى الجماهير، عامتهم وخاصتهم من الأدباء والفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة من قديم الزمان إلى يومنا الحالى حتى ما شاء الله. وهذه المقالة المتواضعة ستعالج- على الأقل- عن الحب فى الخطاب الأدبي والفلسفة والكلامي والتصوف.
2.الحب من الثقافة اليونانية إلى العربية
ولئن كان الخطاب الحبي فى الثقافة العربية وجد جذوره العريقة كما يتمثل فى الأشعار والقصص الجاهلية ونبغائها مثل أمرؤ القيس المعروف بـ"مجنون ليلى" وجميل بثينة وغيرهما، إلا أن الحديث عن الحب فى شكله النظري يعود تاريخه إلى القرن الثالث والرابع الهجريين مع تفتح آفاق العقلية العربية إثر شيوع الكتب اليونانية المترجمة إلى العربية مما فيها الكتب الأدبية. ولليونان، حسب تعبير أحمد أمين، فى هذه الأنواع كلها الشئ الكثير الذي أثر الأدب العربي قديمه وحديثه[lv]. وخلال ذلك القرنين، برزت لدى مثقفي المجتمع أفكار جديدة وليونة نسبية فى التعامل مع هذا الموضوع، موضوع الحب.
ومما يدل على مدى عناية المثقفين المسلمين بموضوع الحب ودراسته وبالعشق وماهيته ما يروى أن فى ذلك القرن تقام المجالس والندوات لمناقشة وبحث هذه المسألة. وقد حدثنا المسعودى عن مجلس فى قصر الوزير" يحي بن خالد" ضمّ اثنين وعشرين مفكرا مسلما شغلهم الحب وانشغلوا به فراحوا يناقشونه ويعرفونه ويحددونه. قال علي بن الهيثم من متكلمي الشيعة :" الحب غير محدود، وهو ثمرة المشاكلة بين المحب والمحبوب، ولا يكون إلا بامتزاج الشكلين، أو بازدواج النفسين، وهو دليل على تمازج الروحين".وقال هشام بن الحكم شيخ الإمامية :" الحب لايكون إلا من اعتدال الصورة وتكافؤ فى الطريقة وملاءمة فى الهمة". وقال معمر بن سليمان المعتزلي "العشق هو نتيجة المشاكلة وغرس المشابهة". وقال إبراهيم بن سيار النظام شيخ المعتزلة :" الحب سحر والمحبوب هو الساحر والإفراط فيه يحطم الجسد"[lvi]
إلا أننا نلاحظ أن الكثيرين ممن أقدموا على الكتابة فى موضوع الحب هم من الفقهاء، خاصة الظاهرية والمتكلمين الحنابلة الذين عنوا عناية كبيرة بالحب البشري ودرسوه دراسة موسعة رغم هجومهم على الحب الإلهي. وكان أبرزهم محمد بن داود الظاهري (ت 269هـ) صاحب كتاب "الزهرة" وهو فى موضوع الحب الإنساني، وابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) أيضا، صاحب كتاب "طوق الحمامة"، وجعفر السراج القارئ (ت 500 هـ)، وابن الجوزى (ت 597 هـ)، وابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) صاحب كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين". واتضح من مؤلفات هؤلاء، كما حقق به وفا أحمد، تأثير الثقافة الإغريقية كما تتأثر أيضا بالثقافة الفارسية والهندية التى انصهرت قصصها ومواقفها فى بوتقة الثقافة الإسلامية[lvii]
فقد شاعت فى القرن الثالث الهجري كتب تجمع أشعار الغزل وحكايات العشاق العُذريين ومآسيهم، وأساطير أخرى عرفها العرب من الثقافات الأخرى وأفردت لها كتب أو رسائل صغيرة.[lviii] لكن الحب أو الهوى العُذري ( الحب العذري وما يتعلق به يبحث فى الفصل الأخير من هذا البحث) المنـزّه عن شؤون العشق الجسدي كان له أصوله فى فلسفة أفلاطون. وقد ترجمت إلى العربية بعض محاوراته ملخصة، وعرفت عناوينها وموضوعاتها بشكل عام، ومنها محاورة فيدروس[lix] ومحاورة المأدبة[lx]. وكذلك ذكر محمد بن داود الأصفهاني الظاهري، صاحب "الزهرة" بعض الأقوال والأساطير المتعلقة بأساس الحب، وهو" المشاكلة" ونسبها إلى بطليموس (Ptoleme ) وجالينوس (Galen )[lxi]. للحب إذن قصص وأساطير وأفكار عرفها العرب من الثقافات الأجنبية.
3. التعريف بالحب
قد أثار المفكرون العرب حول "الحب" (مادة حب) تساؤلات اختلفت فى الإجابة عليها المواقف ووجهات النظر. ومنهم من بذل جهده إلى التركيز على أصل هذا اللفظ خلال المعاجم العربية وفى مقدمتها لسان العرب لابن منظوركما فعل به أحمد وفا حتى وصل إلى أن "الحب" له ما يزيد على الستين ا سما، وأن له عدة معان أكثرها تتعلق بالأمور خارج النطاق العاطفي والروحي أو بعبارة أخرى تتعلق بالمواد الحسية والجسدية.[lxii] أما ابن قيم الجوزية فقد عرض ووسع البحث عن أصل "المحبة" ومشتقاتها ومعانيها قبل أن يصل إلى حدها وتعريفها. وكما أنه أطال الكلام عن حد المحبة وتعريفها فيما لا يقل عن أربعة وعشرين حدا استخلصه من كلام الأخرين.[lxiii]
وعلى الرغم من الاختلاف بخصوص أصل لفظ الحب، (الجدل الصاعد حول أصل لفظ الحب لم نسرده فى هذه المقالة قصدا إلى الإيجاز) إلا أن جمهور اللغويين يتفق على أن هذا الشعور شئ مألوف وعام فى حياة البشر بغض النظر عن اختلاف الأزمنة وتباين الثقافات. إن اسم هذه العاطفة فقد اشتق من تسمياتٍ لها نوعُ صلةٍ، أو مشابهة بتجربة الحب. وأما أصل لفظ الحب – كما استنتج به أحمد وفا[lxiv] - فى بيئة العرب فقد يكون اشتقاقا من الجرة (مكان لاحتواء الماء) والبر والشعير وشجرة العشقة وحباب الماء إلى آخر ما توسّم فيه أهل اللغة أصلا ونوعَ مشابهةٍ. لكن الحق أن للحب متعلقات كثيرة، وأهمها مبدأ الانجذاب لما هو جميل والاحساس بالجمال وطلب اللذة. وقد طور الفكر هذه المتعلقات وسَما بها فرفعها من مواضيع حسية إلى شؤون ترتبط بالروح. ومنذ تلك اللحظة التى يخرج فيها الحب إلى عالم التجريد والسمو عن الأشياء، ويخطى العلاقات والقيود وتجاوز الحدود، انطلقت الأحاديث عنه إلى الجدية والتفلسف به لا محض ترف وهذر وان كان الحب دا ئما لا يخلو من ذلك النوعين.
أما الدراسات العربية الإسلامية فى هذا المجال فنلاحظ أنها تتخذ اتجاهين: الأول يدرس من حيث هو ظاهرة إنسانية تربط بين الذكر والأنثى. وهذا اتجاه المتأدبين وأكثر الفقهاء والمتكلمين. والثانى يعتبر هذا الحب فى مستواه البشري مرحلة أولى فى طريق المحبة الى الحب النهائي الإلهي، وهو نظرية المتصوفة فى الحب.
وبصدد الاتجاه الأول، قدم الجاحظ فى رسالته تعريفا للحب حاول من خلاله أن يثبت أن "الحب هو أصل الهوى، والهوى الذى يتفرع منه العشق، والعشق اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه حب"[lxv] فالعشق يتركب من الحب والهوى والمشاكلة والإلف، وله ابتداء فى المصاعدة ووقوف على الغاية، وهبوط فى التوليد إلى غاية الانحلال ووقف الملال[lxvi]
أما ابن حزم رغم أنه ظاهري، فانه عمد إلى تعريف الحب كما كان الناس فى عصره (القرن الحادى عشر الميلادى) يعمدون إلى تعريف كل شئ. وعمد إلى تعريفه على النحو الفلسفى الذى ألفه أصحاب المنطق، فهو يثبت قبل كل شئ أن الحب حقيقة واقعة لا منصرف عنها ولا تخلص منها، وأنه من أجل ذلك شئ مباح لا ينكره الدين ولا العرف مادام لا يتجاوز حدود الدين والعرف. ثم يذكر بعد ذلك "مائية (ماهية) الحب". وماهية الحب عنده "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع".[lxvii] وهذا التعريف ظاهر على ألسنة الأدباء، مستعمل فى بيان الحكماء. وأما المتصوفة فلا نكاد نعثر على خطابهم الحبي التعريف المحدد عنه، وإنما أكثروا غالبا عن التعابـير حول الحب. هذا، لأن الحب الصوفي يعلو ويفوق الحب الجسدي أو الحب العُذري الذى يتمحور بين حب الناس بعضهم بعضا أو حب شخص وآخر، بينما كان حب الصوفية يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى.
ومن هنا يسمى حبهم أيضا بالحب الإلهي أو الحب الروحي، وهو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى، وهو المحور الرئيسي الذى تدور حوله موضوعات التصوف. وليس الحب الإنساني عندهم الا طريقا إلى الحب أكثر بعدا وعمقا وهو ذلك الحب الإلهي.
ولهذا، وجدنا بعض الصوفية يعرّفون الحب أو المحبة بقولهم: "المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أنك لا يبقي لك حظ، ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة"،[lxviii] وأما ابن الصمد فيقول :"المحبة هي التى تعمى وتصم، تعمى عما سوى المحبوب فلا يشهد سواه مطلوبا"[lxix] ويقول أبي القاسم النصراباذى: "المحبة مجانبة السلو على كل حال" ويقول أيضا أبي الحسين النورى : " المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[lxx]
ومن هؤلاء الذين يرون أن المحبة الإنسانية جسر وبرزخ للحب الإلهي ابن الدباغ (ت 697 هـ) الذى أكد أن الحب الجسدي أو اللذة بالمحسوس له الأسبقية على الحب الروحاني"[lxxi] فجدلية الحب عنده تأخذ بُعدين: بُعد الحب الجسدي حيث تتحول المحبة إلى "حمرة خجل أو صفرة وجل، أو استحالة الدم إلى مَنيٍ عند تصور لذة الوقاع"، وبُعد الحب الإلهي حيث تتحول المحبة إلى "لذة وقهر وابتهاج وطرب وإغماء"[lxxii]
4.الحب فى الخطاب الفلسفي
كما قد سردنا فى الفصل الثاني من هذه المقالة أن الحديث الحبي الجدّي فى الثقافة العربية متأثر –قليلا أو كثيرا – بالثقافة اليونانية. لذا، أرى ضرورة إعادة النظر للفكرة الفلسفية فى الحب فى التراث اليوناني ليتمكن من الوصول الى البحث فى نفس الفكرة فى التراث العربي.
إن الخطاب الحبي فى التراث اليوناني له صلة بفكرة "الخلق" أى خلق العالم الموجود.وذلك لأن الفلاسفة الأوائل كانوا يبحثون عن المبادئ الأولى للأشياء فى طبيعة المادة. منهم من يقول أن أول شيئ هو الماء كما قال به طاليس (Thales)، ومن قال إن "النوس" أو العقل هو علة الجمال والخير فى الوجود كما أنه علة الحركة فى الموجودات، وهذا رأي انكساجوراس (Anaxagoras). ومنهم أيضا من قال إن الحب أو الرغبة هو مبدأ الأشياء. ومن الممكن –كما قال أرسطو (Aritoteles) - أن هزيود هو أول من ذهب بهذا المذهب ثم تبعه بعد ذلك برمنيدس (Parmanides) حين جاء فى قصيدته أن أفروديت (Aphrodito) خلقت الحب، وهو أول الآلهة.[lxxiii]
معنى ذلك أن الحب هو الذى يمنح الأشياء الحركة والنظام. وتلك هي العقلية الإغريقية التى رأت الوجود حبا وجمالا. ومن الفلاسفة من يقول بمبدأ الوجود : الحب والكراهية (إمبادوقليدس - Empedokles)، فالحب هو مبدأ الخير والكراهية هي مبدأ الشر، وفضلا عن ذلك ، فالحب يوجد والكراهية تغرق.[lxxiv] أما ديموقريطس (Demokritos) ولوقيبوس (Leukippos) فيعتقدان أن الوجود واللاوجود، الملاء والخلاء، هما مبدأ الأشياء. وخلاصة القول، كان الكون فى نظر الإغريق الأسطوري والمثلي فاتنا ساحرا، أصله الحب، وصورته الجمال، بل يري أفلاطون أن الحب (ايروس/eros) هو أصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.[lxxv]
صحيح أن أرسطو كان له الفضل فى تخليص الفكر الإغريقي، بل والفكر الإنساني كله من الأسطورة، كما أنه جعل البحث الفلسفي مقرونا بالبحث عن العلل والمبادئ، وكما أنه أيضا يجعل من المنطق أداة للعلم وطريقا موصلا إلى الحقيقة، ولكنه ومع ذلك فإنه-كما قال عويضة- يذكر أن العالم يتحرك شوقا إلى الله[lxxvi]. وهذا "الشوق" الذى يدفع المادة أو الأفلاك إلى الاتصال بالصورة الخالصة أى الله بواسطة عقول الأفلاك. فالرغبة والشوق والحب كلها مبادئ مسلم بها فى الفكر الإغريقي. فالرغبة تحرك النفس، والشوق يحرك المادة، والحب يحرك العقل.
وليس من الصدفة اذا وجدنا بعض المفكرين المسلمين فى نظر خلق العالم يسلك الطريقة أكثر شبها بتلك الفكرة الإغريقية من حيث المنهج. هذا العلامة شمس الدين محمد بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (691-751هـ) مثلا فى كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" قد أفرد بابا خاصا يبحث فيه العلاقة بين الحب ووجود العالم، وهو "الباب الرابع : فى أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وإن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب".[lxxvii]
وابتدأ ابن القيم فى هذا الباب بتقسيم الحركات، وهي عنده ثلاثة أنواع: حركة إرادية وحركة طبيعية ثم حركة قسرية (القهرية اللاإرادية). إن المتحرك إن تحرّك بإرادته فحركته إرادية، وإن تحرك بغير إرادته فإما أن تكون حركته إلى نحو مركزه أولا، فإن تحرك إلىجهة مركزه فحركته طبيعية، وإن تحرك إلى غير جهة مركزه فحركته قسرية. ثم أتى بعد ذلك ببيان تفاصيل هذه الحركات حتى انتهى إلى القول الذى مؤداه أن تلك الحركات إنما تتحرك بمحركها، فالمحرك –عند ابن القيم- هو الملائكة الموكلون بها(وهم المحركون الثاني) بأمر من الله الذى هو المحرك الأول. والملائكة حينما يفعلون ما أمرهم الله إنما يفعلونه محبة وطاعة بأمره وإرادته. وكذلك كانت جميع الحركات الفلكية وما حوته تابعةً للحركة الإرادية المستلزمة للمحبة، فالمحبة والإرادة أصل كل فعل ومبداه، فلا يكون الفعل إلا عن محبة وإرادة.[lxxviii]
وواضح من البيان المذكور أن هناك اتفاق بين الفكرتين (الإغريقي وابن القيم) من أن الحب له دور كبير فى فكرة الخلق بالرغم من وجود الاختلاف بينهما من حيث العلة.فالفكرة الإغريقية الأفلاطونية رأت أن الحب نفسه هو الذى يخلق العالم لأنه من الآلهة، أو أنه محرك العقل لإيجاد العالم كما ذهب إليه أرسطو، أما ابن القيم فإنه يعتبر أن الحب هو الأساس لخلق الكون، والخالق والمدبر هو الله بتحريك رسله من الملائكة الموكلين. ومع ذلك، فإن تلك الفكرتين تتفقان على أن الحب هو أصل كل فعل ومبداه وأصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.
هذه من جهة، وهناك فكرة تعتـبركجهة أخرى جذبت عقول عدد كبير من المفكرين العرب وهي "إشكالية المشاكلة". وقد زعمت هذه النظرية ارتباط مصائر البشر بتأثيرات الأفلاك والنجوم والكواكب، بحيث تتدخل هذه فى ايقاع المحبة أو الكراهية بين الأشخاص، وهذه الفرضية –كما يقول أحمد وفا[lxxix]- تعود فى بدايتها لبطليموس (Ptoleme ). وقد وجدها الذى عاش فى الإسكندرية فى القرن الثاني بعد المسيح، فجرت أهم الإشكالات فى قضية الحب: وهي إشكالية إنسانية الحب أو إلهية، فانقسمت الآراء لدى الإسلاميين إلى إتجاهين: (1) القائلون بأن الحب قضية إنسانية مركبة فى الطباع البشرية انسجاما واتفاقا ونفورا وكراهية. وهذه النظرية عرفت بنظرية المشاكلة، وهي ذات أبعاد أفلاطونية (Platonism)، (ب) القائلون بأن الحب منّة إلهيّة هيأها الله فى سلسلة من التراتيب والنظم التى تتدخل فيها الأقلاك والكواكب فى تحديد خيرية وشرية الإنسان، وتتحكم فى محبة الناس وكراهيتهم، وتعود هذه النظرية فى جذورها إلى بطليموس واينيذوقلس[lxxx]
ومن هؤلاء الفلاسفة المسلمين الذين تأثروا بالفكرة الأفلاطونية إخوان الصفا، وهم يرون أن العلة فى محبة شخص لشخص آخر اتفاق مشاكلة الأشخاص الفلكية فى أصل مولدهما بضرب من الضروب الموافقة من بعض لبعض، فهي كثيرة الفنون. فمنها أن يكون مولدهما ببرج واحد أو رب البرجين كوكب واحد، أو يكون البرجان متفقين فى بعض المثاني كاالمثلّث، أوتكون مطالعهما متساوية، أو ساعات نهارهما متفقة، وما شاكل ذلك.[lxxxi]
وقد توسم بعضهم لهذه النظرية دعما فى الحديث النبوي الشريف: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وتصدى بعض المفكرين مثل ابن قيم الجوزية –كما قد ذكرنا جزأ من أفكاره من قبل- وابن حزم لبحث نظرية المشاكلة من جديد. ورفض بعضهم تفصيلات معينة فى هذه النظرية ومنها تأثير النجوم والكواكب فى فرض التشاكلات على المجتمع الإنساني، فوضع ،مثلا، ابن سينا والفارابي وابن حزم رسائل فى نقض أصول هذه الفرضية.[lxxxii]
نعم، إن ابن حزم رفض هذه الفكرة ذات الأفلاطونية النـزعة، ولكنه مع هذا، يقول أن مائية (ماهية) الحب هو "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع". وكان بذلك –كما قال طه حسين- يذهب إلى ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من قدماء اليونان من أن هناك عنصرا رفيعا تأتلف منه نفس واحدة قد قسمت أجزاؤها على المخلوقات ذوات النفوس. فقد يحدث اتصال بين هذه الأجزاء المقسمة بين الناس فيكون الحب، وقد يحدث انفصال فيكون البغض. وبمقدار ما يكون الاتصال قويا أو ضعيفا يقوي الحب أو يضعف، وبمقدار ما يكون الانفصال قويا أو ضعيفا يشتد البغض أو يلين.[lxxxiii]
5. الحب فى الخظاب الكلامي
فقد أثبت التاريخ أن العلماء المسلمين فى العصور الوسطى وما يليها هم النحاة والأدباء والفقهاء والمتصوفة، كما أنهم أيضا الفلاسفة والمناطقة والمتكلمون فى نفس الوقت كما وجدنا فى شخص ابن الرشد والغزالي وابن سينا وابن حزم وغيرهم. فليس غريبا اذا كان الأمر الواحد يبحثه العلماء من شتى النواحى. فلنأخذ- على سبيل المثال- قضية الحب أو المحبة فىساحة الفكرة الإسلامية لايدور البحث فيها من ناحية فلسفية فحسب، بل أصبحت أيضا فضية كلامية. فقد أثارت انسانية الحب وارتباطه بالأنا تساؤلاتٍ حول جبرية الحب أو اختياريته، هل هو اختياري أو جبري خارج عن مقدور البشر؟
فالقائلون بجبرية الحب واضظراريته يقولون بالجبر والحتمية فى حياة الإنسان، وهو بمنـزلة محبة الظمآن للماء البارد ، والجائع للطعام، وهذا مما لا يُملَك. والقائلون باختيارية الحب يدافعون عن حرية الإنسان فى تحديد مصيره، مما يلزمهم بالقول بالكبت ومدافعة طارئ المحبة[lxxxiv] ورأى بعضهم أن الجبر والاختيار معيار للتمييز بين المحبة والعشق. فالمحبة تعني الاختيار، والعشق يعني الجبر. ولهذا، عرفت المحبة لديهم بالإرادة، فألزم المحب بالاختيار.
أما لسان الدين بن الخطيب-كما نقلنا عن وفا أحمد-فقد صرح بتساؤلات محيرة فى هذا الصدد، فقال: "هل تكتسب المحبة أو تدخل تحت الاختيار، أم هو أمر يطرق الإنسان على سبيل الضرورة التى لا اختيار فيها كالخجل والحياء…"[lxxxv] وعندما يربط ابن الخطيب المحبة بعوامل خارجة عن معرفة الإنسان كالمناسبة والجمال، فإنها تقع فى الجبر. وهذا ما عناه عندما قال إن المحبة فى الكائنات جبرية كحنين الحيوان إلى بعضه وانجذاب المغناطيس للمعدن[lxxxvi] لكن عندما يربطها بالعقل الإنساني وقدراته التى تربط بالأسباب والنتائج يدرك أن ذلك يتطلب اختيارية المحبة، وخاصة فيما للعقل عليه اشرا ف، والتى فى الغالب هي سعي نحو إكمال النقص الخاص بالإنسان بمحبة كمال البقاء، ومنها محبة الهداة والعلماء والأنبياء[lxxxvii]. وابن الخطيب بذلك يجاري ابن سينا الذى جعل عشق الحجر إلى موضعه قسريا ( اللا إرادي )، أما عشق الحيوان إلى التوليد بما هيأه الله من آلات موافقة فى المعشوق فهو عشق اختياري.[lxxxviii]
إن الخلاف حول اختيارية الحب أو جبريته فى الخطاب الكلامي هذا، أدى وبالتالى إلى اختلاف آخر، وهو: هل يستحق المحب العقاب أو الثواب بما يتولد منه من الأفعال أم لا؟ ولفصل النـزاع بين الفريقين، يرى الكاتب ضرورة نقل رأي ابن قيم الجوزية فى هذا الصدد، وهو قال: "أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري,فإذا أتى بالأسباب كان ترتُب المسبَّب عليها بغير اختياره كـما قيل:
تولَّع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأىلجُـة ظنها موجـةً فلما تمكّن منها غـرق
تمنىّ الإفاقـة من ذنبـه فلم يستطعها ولم يستطق
وهذا بمنـزلة السكر من شرب الخمر، فإن تناوُل المسكر اختياري وما يتولد عنه السكر اضطراري، فمتى كان السبب محظورا ، لم يكن السكرانُ معذورا. ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنـزلة شرب المسكر فهو يلام على السبب، ولهذا إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك"[lxxxix].
هكذا يقول المتكلمون، وهم لا ينظرون إلى كل شئ من الأمور الإنسانية إلا ويربطونها بالمسائل الدينية أو العقيدية وما يترتب منها من العقاب والثواب، أو الحسن والقبح، أو الذم والثناء. والكلام فى الجبر والاختيار هو من كلام المتكلمين فى شتى الأمور فيما بينها قضية الحب التى لا يخلو من هذا المنظر الكلامي، فلننتقل الآن إلى الصوفية فى نظرهم إلى الحب.
6. الحب فى الخطاب التصوفي
إن المنهج الذي يسلكه المتصوف للحصول على المعرفة أو طريقها يختلف اختلافا عما يسلكه الفيلسوف أو المتكلم. فاذا كانت الفلسفة أو الكلام عقلي الطابع فالتصوف وجداني النـزعة، وقد يعمد بعض المتصوفة الى التعبير عن حالاتهم الوجدانية الخاصة بطريق الرمز، فتغلب على عباراتهم صيغة الإبهام والتعقيد، كما تكون اللغة أداة عاجزة عن التعبير عن الوجدانيات تعبيرا صادقا، وقد يحدث أحيانا أن يختلف اثنان من المتصوفة فى التعبير عن حالة وجدانية معينة اختلافا لفظيا. ويلاحظ أن عبارات المتصوفة تحتمل عادة معنـين أحدهما لغوي ظاهر، وهو ما يستفاد من ظاهر الألفاظ، والآخر ذوقي باطن، وهو ما يستفاد بواسطة التحليل والتعمق.
هذا هو الحب الصوفي أو الحب الروحي أو الحب الإلهي، يتشعب فيه كلام ويطول فيه بحث فى طيات الكتب قديمة كانت أو حديثة، تحاول كلها على تصوير هذا الحب مهما ضعفت رسم حقيقته والعثور على كنهه لاختلاف الصوفية بعضهم بعضا فى تعبيرهم عن حبهم الإلهي. وكذلك اختلفت آراء الباحثين في هذا الحب، بعضهم يقول : أن الحب الصوفي هو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى. هذا لمن يرى " أن التصوف هو سلسلة متصلة الحلقات من الحالات الوجدانية الخاصة كابي الوفا التفتازاني".[xc] وهذا التعريف من التصوف هو الذى تعتمد عليه هذه المقالة.
وهذا الحب عنده عاطفة تمر بمراحل مختلفة متصلة قبله كالقلق النفسي والحزن العميق والخوف من أشياء مجهولة ومحاولة استكناه الكون وكشف المحجوب وغيرها، ثم يعانى المتصوف بعد ذلك، الحب الإلهي أو العشق الصوفي.[xci] والحب الإلهي أيضا هو أرفع المثل الروحية لأنه يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى، وليس هذا الحب شطحا ولا عبثا وإنما هو ثمرة حقيقة الإيمان القوي والتدين العميق، وينعكس أثره على حياة الفرد تهذيبا، وعلى حياة المجتمع ارتقاء. والحب الصوفي يتخذ عدة مظاهر تختلف قوة وضعفا، كما أن العاطفة الصوفية تتطور أحيانا بحيث يشعر المتصوف بأنه عاشق ومعشوق فى آن واحد.
واعتبرت رابعة العدوية أول من هتف فى رياض الصوفية بنغمات الحب شعرا ونثرا، وعرفت أنها أيضا من فضلاء عصرها وأزكاهم فطرة وأسماهم نفسا وأشدهم عزوفا عن الدنيا وزخارفها حتى يكون انقطاعها إلى الله قد وجّه نفسها الشاعرة وجهة حب إلهي فغنت بأناشيدها فى مثل قولها[xcii] :
أحبك حبـين حـب الهوى وحبا لأنك أهـل لـذاك
وأما الذى هو حـب الـهوى فشغلى بذكرك عمن سواك
وأما الذى أنـت أهـل لـه فكشفك للحجب حتى أراك
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لـى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
ثم يأتى بعد رابعة الصوفية أو المتصوفة الآحرون يعبرون عن مشاعرهم الحبية الإلهية بشتى التعبيرات، ويرتبها فى الحالات أو المقامات تختلف بعضها بعضا من حيث الترتيب. فأبو الحسن الشاذلي، مثلا، يرتب المحبة فى المقام أو الطريق السابع عشر أو الطريق الأخير من الطرق أو المقامات التى أولها الإخلاص، التوبة، النية، القصد، الخلوة، الجهاد، النفس، الدنيا، العبودية، الطاعة، درجات درجات، الذكر، الورع، الزهد، التوكل، الرضا ثم المحبة.[xciii]
وأما عند محي الدين ابن عربي فيرى أن حب الله ينبغي أن يكون ثمرة ممارسة أعلى الفضائل الأخلاقية وأن يكون الغاية القصوى لكل المقامات العالية. وأولى هذه الفضائل إتباع الرسول لأنه نموذج لكل كمال، ثم التوبة، طهارة القلب،ثم يأتي بعد ذلك الصبر فى البلاء والشكر على النعم الإلهية، فهاتان درجتان للصعود إلى الحب.[xciv] ويرى السهروردي أن المحبة حال ومقام فى آن واحد.
والمهم أن نلاحظ أن بعض الصوفية يعتبرون الحب الإلهي موصلا إلى المعرفة، والبعض الآخر يرى أنه هو نتيجة للمعرفة. والحق أن يقال أن الحب والشوق إلى الله يدفعان بالمتصوف إلى التعرف على الله، كما أن المعرفة بالله عز وجل تزيد من شدة الحب وقوته، فالحب سابق ولاحق بالنسبة إلى المعرفة.
وباختلاف مكانة الحب الإلهي عند الصوفية بين الحال والمقام وتراتيبها، وبالتالى يختلف أيضا تعبيراتهم فى تحديد هذا الحب، فها هي بعض تلك التعبيرات نمثله فى هذا الصدد: قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي :"المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيئ سواه، فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصنا بمعرفته، والروح مأخوذة فى حضرته، والسر معمورا فى مشاهدته .."[xcv]. وقال أبو عبد الله النباجي:" المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أن لايبقى لك حظ ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة" وقول أبي القاسم النصر أباذي :"المحبة مجانبة السلوّ عن كل حال" وقول أبي الحسن النوري :"المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[xcvi]
ويرى ابن عربي أن محبة الله لا تتحقق إلا إذا وهبت كلك لمن أحببت بحيث لا يبقى لك منك شيئ، ولن يتحقق ذلك إلا بعد سلامة القلب من جميع كدورات النفس، فإذا استقرت محبة الله فى القلب خرجت محبة غيره، لأن المحبة صفة محرقة تحرق كل شيئ ليس من جنسها[xcvii] وكذلك الشاذلي يقول:" من أحب الله وأحب لله فقد تمت ولايته بالحب، والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة غير مشيئته.."[xcviii]
ودعا جلال الدين الرومي إلى هذا الحب دعوة سافرة وذكر عجائبه وتصرفاته فى بسط وتفصيل فيقول: "إن الحب يحوّل المر حلوا، والتراب تبرا، والكدر صفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، وهو الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة ويسود العبد. إن هذا الحب هو الجناح الذى يطير به الإنسان المادي الثقيل فى الأجواء، ويصل من السمك إلى السماك، ومن الثرى إلى الثريا".[xcix]
بل لقد غلب على ابن الفارض- سلطان العاشقين- الحب الإلهي إلى الحد الذى اعتبره مرادفا للحياة، إذ لا حياة بدونه، كما أن الموت به هو عين الحياة كما أشار به فى شعره:[c]
إن الغرام هو الحــياة فمـت به صبا فحقك أن تموت وتعـــذرا
وان شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا والا فالغرام لــه أهــل
فمن لم يمت فى حبـه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحـل
وعلى الجملة، فالحب الإلهي أو الحب الصوفي هو الحب الذى لا يعرف حد النهاية، فهو بحر لا ساحل له، وطريق لا ينتهي مسلكه، وعين ثري لا تطفئ الظمأ حيث أن تجليات الحق قد لا ترتوى بها عارف ولا يشبع منها مشتاق. ومن هذا، يختلف هذا الحب الوفيّ عن الحب غيره المعروف بالحب الجسدي وحتى بالحب العذري. وكل من هذين الحبـين قد ينطفئ بالوصول وينتهي بتحقق المراد، ومن ثم تهدأ النفس بعد أن تضيع جذوتها المشتعلة.
وفى هذا الصدد، يقول أبو القاسم القشيري:" من الأحوال السَنية فى المحبة الشوق، ولا يكون المحب إلا مشتاقا أبدا، لأن الحق لا نهاية له، فما من حال يبلغها المحب إلا ويعلم أن وراء ذلك أوفى منها وأتمّ، ثم قال، هذا الشوق الجاذب عنده ليس كسبة، وإنما هو موهبة خص الله بها المحبين".[ci]
7. الحب فى الخطاب الأدبي
ومما لاشك أن موضوع الحب فى المجال الأدبي وفنه كله فيما فيها الأدب العربي أكثر موضوع حديثا وبحثا وحتى لا نرى أن العمل الأدبي قديمه وحديثه، شعره ونثره إلا والحب يحتل جزأ لا يتجزأ منه. فالحب فى العمل الأدبي ليس لهوا ولا عبثا ولا مُجونا، بل جزء من صورة الحياة الواقعية. فالدكتور طه حسين لَخيرُ الباحثين فى رسم هذه الصورة حين يقول: " وقد مضى فى تاريخنا الأدبي والعقلي عصر لم يكن الحب هزلا ولا دعابة، وإنما كان جدا خالصا لا يخلو من صرامة وحزم فى كثير من الأحيان […] وإن حب الغزلين لم يكن لهوا ولا مجونا ولا مصدرا للدعابة والفكاهة، وإنما كان جزءا من جد الحياة اقتضته ظروف من السياسة والدين".[cii]
وكذلك إن أحاديث الحب لا تقتصر على لسان الشعراء والأدباء، بل يتعدى أيضا إلى العلماء. وعبد الرحمن بن أبى عمار الجُشَمي مثلا، صاحب قراءة القرآن ورواية للحديث وإقبال للنسك والزهد وتفرّغ للعبادة والطاعة حتى لقبه أهل مكة بالقَسّ فلم يمنعه ذلك – حين رأى سلامة وسمع غناءها – أن يحبها حبا انتهى به إلى الهيام وجعله شاعرا غزلا كغيره من الشعراء الغزلين. ولم يجد ذلك حرجا ولا جناحا، لأن ذلك لم يورطه فى إثم ولا فسوق. وعبد الرحمن بن أبى عمار القس هو الذى يقول فى" سلامة" ( عشيقته ) هذين البيتين الرائعين:[ciii]
سلامُ هل لي منكم ناصـر أم هل لقلبي عنكم زاجر
قد سمع الناس بوجدى بكم فمنهم اللائم والعــاذر
وإذا كانت اليونان لها ميزتها بنظرية الحب المعروف بالحب الأفلاطوني أو الحب الدال على الهوى (Erose) كما قد ذكرناه فى الفصل السابق، فللعرب أيضا نظريتها الخاصة للحب أو الغزل، خاصة الغزل الذى انتشر منذ أيام بني أمية. وفى هذا العصر، حسب تقسيم طه حسين، ثلاثة أنواع من الغزل أو الحب: غزل أو حب العذريين، الذين كانوا يتغنون فى شعرهم هذا الحب الأفلاطوني العنيف، والثانى غزل الإباحيين (المحققين) الذين كانوا يتغنون الحب ولَذاته العملية كما يفهمها الناس جميعا. والثالث، الغزل العادي الذى ليس هو فى حقيقة الأمر إلا استمرارا للغزل القديم المألوف أيام الجاهليين. والحب من النوع الأول والثانى لا يوجدان إلا فى الحجاز وما يليه من البلاد العربية الخالصة، كما لا يوجد فى العراق والشام- وهما الإقليمان اللذان كانا مجتمع الحياة السياسية الأموية – إلا نوعين من الشعر: أحدهما الشعر العادي من مدح وهجاء ووصف، والثانى الشعر السياسي الذى تتناضل فيه الأحزاب.[civ]
ومن تلك الأنواع الثلاثة من أنواع الحب المذكور، يركز هذا البحث على الحب العُذري مع ملاحظة قدر ممكن من نوع الحب غيره، لأننا نرى أنه هو الذى أكثرَ الكُتاب من الأدباء من بحث هذا النوع من الحب، وأن له أيضا ميزته الخاصة من حيث النوع وأصحابه. وللحصول على معرفة حقيقة هذا الحب يجدر بنا إلى ذكر ما بينه الدكتور زكي مبارك عما يتعلق بهذا الحب، وهو يعرّف بأن الحب العذري "هو حب خالص من شوائب الدنس والرجس، هو حب طاهر شريف لا يعرف مخزيات المآثم ولا منديات الأهواء"[cv] أو أنه "حب نقي طاهر ممعن فى النقاء والطهارة".[cvi] وبقول آخر، إن الحب العذري هو حب حقيقي لا يصحبه معه أفعال غير شرعية أو تحلل من الخُلق الفاضل.
وكان هذا الحب منسوبا إلى بنى عُذرة، إحدى قبائل قضاعة التى كانت تنـزل فى وادى القرى شمالى الحجاز، لأن شعرائها أكثروا من التغنى به ونظمه. ويروى أن سائلا سأل رجلا من هذه القبيلة: ممن أنت ؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. ويروى أيضا أن سائلا سأل عروة بن حزام العذري، صاحب عفراء (عشيقته): أ صحيح ما يروى عنكم من أنكم أرق الناس قلوبا ؟ فأجابه: نعم، والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت وما لهم داء إلا الحب.[cvii]
ثم أصبح بعد ذلك أن كل حب أو عشق وهيام الذى لا تصحبه الأعمال الرذيلة غير الشرعية ولا تحلل من الخلق الفاضل يسمى ويعرف بـ"الحب العذري". وكان أكثر العشاق العذريين من أهل القرى والبوادى الذين لم يعرفوا الحب الحضري المترف ولا الحب الذى تدفع إليه الغرائز، وقد كانت بدواتهم وتدينهم بالإسلام الحنيف تعصمهم من مثل هذين اللونين من الحب. وكانوا إنما يعرفوا الحب العفيف السامى الذى يصلى المحب بناره ويستقر بين أحشائه، حتى ليصبح هذا الحب كأنه محنة أو داء لا يستطيع التخلص منه ولا الانصرا ف عنه.
وقد وجد هذا الحب العذري فى العصر الأموي، ولم تقف موجة الحب العذري لهذا العصر عند بنى عذرة وحدها ، فقد شاع فى بوادى نجد والحجاز وخاصة بين بنى عامر. ورغم من الاختلاف من حيث شخصيات العشاق أو المحبين العذريين بين الأشخاص التاريخية الحقيقية والأشخاص الرموزية الخيالية من صنع الرواة، إلا أن هذا الاختلاف لا يقلل من أهمية هذه الظاهرة الصحيحة التى حدثت أثناء المجتمع العربي فى القرون الماضية. أو كما قال زكي مبارك: إن الحب العذري حقيقة من الحقائق وليس فرضا من الفروض. ولا يرتاب فى الحب العذري إلا الذين ضاقت منادح أهوائهم فلم يَجرَوا إلا فى ميدان الحسن المبذول، وأولئك قوم يمشون فى دنيا الحب مشي المقيد فى الوحل، فلا يتعالون إلى فكرة سامية ولا يسامون إلى مقصد رفيع".[cviii]
ومن العشاق العذريين المشهورين والتاريخيين جميل بن معمر، وكُثيّر بن عبد الرحمن، والعباس بن الأحنف. وكانوا من أقطاب الغزل فى شباب العصر الإسلامي، ويمتاز هؤلاء العشاق الثلاثة بالجد فى العشق، وبالحرص على كرامة الحب، وبالإشادة بالعفاف. فالهوى عندهم شريعة وجدانية، وليس لهوا ولا عبثا. أولئك رجال آمنوا بالحب فعظموه ومجدوه، واستهانوا من أجله بما يقاسى عُباد الجمال من مصائب وأهوال. وهذا كله وجدناه فى سيرة حبهم الحقيقي العذري كمحبة جميل إلى بثينة، وكثيّر إلى عزة، والعباس إلى فوز، التى أشارت إلى الجانب الروحاني من حيوات هؤلاء الشعراء، وهو الجانب الخاص بالوفاء الذى هو اللون الثابت من ألوان التماسك الروحي، وذلك هو السبب فى عده من مكارم الأخلاق.
ولا يسع هذا البحث لسرد قصة هؤلاء العشاق بجملتها، ولأنه أيضا لا يقصد لذلك، وإنما يراد لكشف ما وراء تلك القصة التى تتضمن فى طياتها. وجملة القول أن الحب العذري هو الحب أو العشق اللهيب بين الرجل والمرأة التى لا ينتهى إلى جمعهما جسديا بسبب أو بآخر، وإنما يجمعهما روحيا، ويخلد ولا يهدأ نار هذا الحب فى قلبهما إلى أن فارقتهما الحياة. وأما الحب الإباحي فبعكس ذلك.
إن العذريين والإباحيين كانوا جميعا من أهل الحجاز كما قد ذكرناه، إلا أن هذين الفريقين يختلفان من ناحية الحياة الاجتماعية والبيئة ومكانتهما فيها. فالإباحيون من أهل الحاضرة يعيشون فى مكة والمدينة، على حين أن العذريين من أهل البادية يعيشون فى بادية الحجاز أو نجد. فالإباحيون من أبناء المهاجرين والأنصار أو من المتصلين بهم، والعذريون من قبائل أعرابية ليس لها شأن عظيم فى الإسلام، وإنما هي محتفظة احتفاظا شديدا ببدواتها القديمة وعاداتها الجاهلية الموروثة. أو قُل إن الإباحيين يكونوا فى الطبقة الأولى من الأرستقراطيين ("البـرجوازيين") فى المجتمع، والعذريين من الطبقة السفلى من البـروليتريين الفقراء.
ولئن كان يختلف هذان الفريقين من حيث المكانة الاجتماعية وبالتالي تؤثر أيضا في سلوكهم الاجتماعي وطريق تعبيرهم الشعوري، إلا أنهما يتفقان فى واقع واحد وظاهرة واحدة وهو اليأس والحزن يعانيان من أهل الحجاز جملة. فلنعد الآن إلى التاريخ لبيان تلك الظاهرة. كما قد بيناه أن الحب العذري والإباحي نشآ منذ أن كانت أمية استولت على الخلافة، ولم تمضى أيام قليلة من أيام خلافتها حتى غيرت هذه الخلافة أنظمة و أبنية الحكومة التى ثبتت من قبل. وكانت الخلافة الأمية لم تعد تجعل البلاد العربية (الحجاز وما يليه) كمقر ومركز سياسي هامّ، وإنما نقلته إلى الشام، وكما انتقل أيضا مركز المعارضة منها إلى العراق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت هذه الخلافة –كما أشار إليه التاريخ- تميل أكثر إلى حلفائها من ذوى القرابة، وتركوا غيرهم من كبار الصحابة وأبنائهم فى سياسة الدولة وتدبيرها وتنظيمها. برغم من أن الخلافة الأموية تكرمهم من ناحية مادية ومالية، ولكنها تهمشهم من ناحية سياسية. وهؤلاء الأجيال من أبناء المهاجرين والأنصار يعيشون بكفاية وثراء من الأموال، وهم مع ذلك يعيشون فى حالة غير مطمئنة، أو قُلْ فى أزمة ذاتية لأنهم يعانون من التهميش فى دورهم السياسي الملحوظ لتخليهم من الرياسة والمكانة المرموقة وسط مجتمعهم بعد أن كانوا ممن ذاقوا حلاوة تلك المكانة. وهذه الحالة، بطبيعة الحال، أدّتهم إلى اليأس والحزن والأزمة النفسية، وبالتالى أدتهم إلى اللهو والاسرا ف للفرار من يأسهم وحزنهم. ومن هؤلاء الشبان الأشرا ف اليائسين عمر ابن أبي ربيعة وأمثاله فى مكة، والأحوص بن محمد وأمثاله فى المدينة، ونشاؤا هؤلاء بين المغنين وأهل المزاح.
والعذريون كذلك هم يعانون من اليأس والحزن فى مواجهة حياتهم الاجتماعية القاسية ليس أقل مما يعانى من الإباحيين (المحققين).لم يتح لهم اللهو كما أتيح للإباحيين لأنهم من الفقراء، ولكنهم تأثروا بالإسلام، وبالقرآن خاصة، فنشأ فى نفوسهم شئ من التقوى ليس بالحضري الخالص، وليس بالبدوي الخالص، ولكن فيه سذاجة بدوية، وفيه رقة إسلامية. ومن أجل ذلك، فالعذريون مع يأسهم وحزنهم لفقرهم من ناحية، ولحرمانهم من معشوقاتهم من ناحية أخرى، فهم لا يهربون إلى اللهو المكروه والعبث المبغوض أو الإقدام على الأعمال غير شرعية، ولكنهم التجأوا إلى اصطناع الشعر يغنون به تعبيرا عن مشاعرهم اليائسة والحزينة وتخلصا منها.
ومن هنا، لقد صح ما قيل أن الأدب صورة المجتمع تعكس عليه حياة الشعب الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها من مآسيهم وسعادتهم، حزنهم وفرحهم. ويتأثر الأدب بالظروف المحيطة به والمجتمع الذى يوجد فيه، وبالبيئة التى يفسر حياتها وبالطبيعة التى يعيش بخيالها وغير ذلك.
8. الخلاصة
إن الشرح عن مسألة الحب وتفاصيله كما هو المذكور إن دل على شيئ، فإنه يدل على أن الحب هو عنصر ثابت فى الوجود لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وهو الشغل الذى يشغل بال الناس جميعا عامتهم وخاصتهم، فيما منهم الفلاسفة حيث يسعون لإدراك ما بين الإنسان والعالم من صلة وعلاقة، ويكشف عما يربط بينهما من ألفة ومحبة وصداقة، عِلمًا بأن الفلسفة كما يعرفها هيدجر (Heidegger ) هي "حكمة الحب" كما أنها أيضا "محبة الحكمة" عند تعريف الفلاسفة غيره. والله أعلم بالصواب
الفقير إلى رحمة ربه الغفير زمزم أ. عبدالله.
مدرس بكلية الأدب الجامعة سونن كاليجاكا.
[i] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[ii] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[iii] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[iv] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[v] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[vi] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[vii] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[viii] المرجع نفسه.
[ix] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[x] المرجع نفسه.
[xi] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[xii] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[xiii] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[xv] المرجع نفسه.
[xvi] المرجع نفسه، ص. 62
[xvii] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[xviii] المرجع نفسه، ص . 22
[xix] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[xx] المرجع نفسه. ص. 135
[xxi] المرجع نفسه.
[xxii] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[xxiii] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[xxiv] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[xxv] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[xxvi] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[xxvii] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[xxviii] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[xxix] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[xxx] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[xxxi] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[xxxii] المرجع نفسه.
[xxxiii] المرجع نفسه.
[xxxiv] المرجع نفسه.
[xxxv] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[xxxvi] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[xxxvii] المرجع نفسه، ص. 146
[xxxviii] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[xxxix] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[xl] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[xli] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[xlii] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[xliii] المصدر نفسه، ص. 62
[xliv] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[xlv] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[xlvi] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[xlvii] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[xlviii] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[xlix] المصدر نفسه.
[l] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[li] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[lii] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[liii] المصدر نفسه.
[liv] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
[lv] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[lvi] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[lvii] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[lviii] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[lix] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[lx] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[lxi] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[lxii] المرجع نفسه.
[lxiii] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[lxiv] المرجع نفسه.
[lxv] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[lxvi] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[lxvii] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[lxix] المرجع نفسه.
[lxx] المرجع نفسه، ص. 62
[lxxi] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[lxxii] المرجع نفسه، ص . 22
[lxxiii] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[lxxiv] المرجع نفسه. ص. 135
[lxxv] المرجع نفسه.
[lxxvi] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[lxxvii] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[lxxviii] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[lxxix] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[lxxx] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[lxxxi] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[lxxxii] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[lxxxiii] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[lxxxiv] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[lxxxv] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[lxxxvi] المرجع نفسه.
[lxxxvii] المرجع نفسه.
[lxxxviii] المرجع نفسه.
[lxxxix] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[xc] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[xci] المرجع نفسه، ص. 146
[xcii] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[xciii] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[xciv] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[xcv] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[xcvi] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[xcvii] المصدر نفسه، ص. 62
[xcviii] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[xcix] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[c] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[ci] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[cii] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[ciii] المصدر نفسه.
[civ] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[cv] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[cvi] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[cvii] المصدر نفسه.
[cviii] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
بقلم : زمزم أفندي عبد ا لله
"من لم يفقهه الهوى فهو فى جهل"
( ابن الفارض )
"الحب معرفة علوية تنـير بصا ئرنا فنرى الأشياء كما يراها الآلهة"
( خليل جبـران )
1.مقدمة
إن الحديث عن الحب حديث شائق، وأن البحث فيه شائك. والقضية الحبية قضية قديمة قدم الإنسانية نفسها وأقدم من الحضارة التى انبثقت عنها. والله جل شأنه لما منح الحياة للحيوان منحه معها الحب، فالحب فطرة يهبها الله مع الحياة. أم الحيوان تحب صغارها وتدافع عن حياتها اذا ما اعتدى عليها معتد، وقد تهلك فى هذا الحب. والإنسان أي إنسان يحيا ليحب ويحب ليحيا، وقد صدق من قال : "الحياة الحب والحب الحياة". والحب يكسب الوجود البشري اتجاها وقصدا وغائية، وأيضا يخلع عليه عمقا ومعنى وقيمة حقيقية، وهو لذلك آداة لخدمة الإنسانية وتطورها ورقيها لأنه القيمة الفعلية فى حياتنا اليومية.إذن، الحب هو شغل الإنسان الشاغل، وهو قسم مشترك للجميع حتى أصبح موضع الكلام والحوار والنقاش وحتى البحث الدقيق لدى الجماهير، عامتهم وخاصتهم من الأدباء والفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة من قديم الزمان إلى يومنا الحالى حتى ما شاء الله. وهذه المقالة المتواضعة ستعالج- على الأقل- عن الحب فى الخطاب الأدبي والفلسفة والكلامي والتصوف.
2.الحب من الثقافة اليونانية إلى العربية
ولئن كان الخطاب الحبي فى الثقافة العربية وجد جذوره العريقة كما يتمثل فى الأشعار والقصص الجاهلية ونبغائها مثل أمرؤ القيس المعروف بـ"مجنون ليلى" وجميل بثينة وغيرهما، إلا أن الحديث عن الحب فى شكله النظري يعود تاريخه إلى القرن الثالث والرابع الهجريين مع تفتح آفاق العقلية العربية إثر شيوع الكتب اليونانية المترجمة إلى العربية مما فيها الكتب الأدبية. ولليونان، حسب تعبير أحمد أمين، فى هذه الأنواع كلها الشئ الكثير الذي أثر الأدب العربي قديمه وحديثه[i]. وخلال ذلك القرنين، برزت لدى مثقفي المجتمع أفكار جديدة وليونة نسبية فى التعامل مع هذا الموضوع، موضوع الحب.
ومما يدل على مدى عناية المثقفين المسلمين بموضوع الحب ودراسته وبالعشق وماهيته ما يروى أن فى ذلك القرن تقام المجالس والندوات لمناقشة وبحث هذه المسألة. وقد حدثنا المسعودى عن مجلس فى قصر الوزير" يحي بن خالد" ضمّ اثنين وعشرين مفكرا مسلما شغلهم الحب وانشغلوا به فراحوا يناقشونه ويعرفونه ويحددونه. قال علي بن الهيثم من متكلمي الشيعة :" الحب غير محدود، وهو ثمرة المشاكلة بين المحب والمحبوب، ولا يكون إلا بامتزاج الشكلين، أو بازدواج النفسين، وهو دليل على تمازج الروحين".وقال هشام بن الحكم شيخ الإمامية :" الحب لايكون إلا من اعتدال الصورة وتكافؤ فى الطريقة وملاءمة فى الهمة". وقال معمر بن سليمان المعتزلي "العشق هو نتيجة المشاكلة وغرس المشابهة". وقال إبراهيم بن سيار النظام شيخ المعتزلة :" الحب سحر والمحبوب هو الساحر والإفراط فيه يحطم الجسد"[ii]
إلا أننا نلاحظ أن الكثيرين ممن أقدموا على الكتابة فى موضوع الحب هم من الفقهاء، خاصة الظاهرية والمتكلمين الحنابلة الذين عنوا عناية كبيرة بالحب البشري ودرسوه دراسة موسعة رغم هجومهم على الحب الإلهي. وكان أبرزهم محمد بن داود الظاهري (ت 269هـ) صاحب كتاب "الزهرة" وهو فى موضوع الحب الإنساني، وابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) أيضا، صاحب كتاب "طوق الحمامة"، وجعفر السراج القارئ (ت 500 هـ)، وابن الجوزى (ت 597 هـ)، وابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) صاحب كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين". واتضح من مؤلفات هؤلاء، كما حقق به وفا أحمد، تأثير الثقافة الإغريقية كما تتأثر أيضا بالثقافة الفارسية والهندية التى انصهرت قصصها ومواقفها فى بوتقة الثقافة الإسلامية[iii]
فقد شاعت فى القرن الثالث الهجري كتب تجمع أشعار الغزل وحكايات العشاق العُذريين ومآسيهم، وأساطير أخرى عرفها العرب من الثقافات الأخرى وأفردت لها كتب أو رسائل صغيرة.[iv] لكن الحب أو الهوى العُذري ( الحب العذري وما يتعلق به يبحث فى الفصل الأخير من هذا البحث) المنـزّه عن شؤون العشق الجسدي كان له أصوله فى فلسفة أفلاطون. وقد ترجمت إلى العربية بعض محاوراته ملخصة، وعرفت عناوينها وموضوعاتها بشكل عام، ومنها محاورة فيدروس[v] ومحاورة المأدبة[vi]. وكذلك ذكر محمد بن داود الأصفهاني الظاهري، صاحب "الزهرة" بعض الأقوال والأساطير المتعلقة بأساس الحب، وهو" المشاكلة" ونسبها إلى بطليموس (Ptoleme ) وجالينوس (Galen )[vii]. للحب إذن قصص وأساطير وأفكار عرفها العرب من الثقافات الأجنبية.
3. التعريف بالحب
قد أثار المفكرون العرب حول "الحب" (مادة حب) تساؤلات اختلفت فى الإجابة عليها المواقف ووجهات النظر. ومنهم من بذل جهده إلى التركيز على أصل هذا اللفظ خلال المعاجم العربية وفى مقدمتها لسان العرب لابن منظوركما فعل به أحمد وفا حتى وصل إلى أن "الحب" له ما يزيد على الستين ا سما، وأن له عدة معان أكثرها تتعلق بالأمور خارج النطاق العاطفي والروحي أو بعبارة أخرى تتعلق بالمواد الحسية والجسدية.[viii] أما ابن قيم الجوزية فقد عرض ووسع البحث عن أصل "المحبة" ومشتقاتها ومعانيها قبل أن يصل إلى حدها وتعريفها. وكما أنه أطال الكلام عن حد المحبة وتعريفها فيما لا يقل عن أربعة وعشرين حدا استخلصه من كلام الأخرين.[ix]
وعلى الرغم من الاختلاف بخصوص أصل لفظ الحب، (الجدل الصاعد حول أصل لفظ الحب لم نسرده فى هذه المقالة قصدا إلى الإيجاز) إلا أن جمهور اللغويين يتفق على أن هذا الشعور شئ مألوف وعام فى حياة البشر بغض النظر عن اختلاف الأزمنة وتباين الثقافات. إن اسم هذه العاطفة فقد اشتق من تسمياتٍ لها نوعُ صلةٍ، أو مشابهة بتجربة الحب. وأما أصل لفظ الحب – كما استنتج به أحمد وفا[x] - فى بيئة العرب فقد يكون اشتقاقا من الجرة (مكان لاحتواء الماء) والبر والشعير وشجرة العشقة وحباب الماء إلى آخر ما توسّم فيه أهل اللغة أصلا ونوعَ مشابهةٍ. لكن الحق أن للحب متعلقات كثيرة، وأهمها مبدأ الانجذاب لما هو جميل والاحساس بالجمال وطلب اللذة. وقد طور الفكر هذه المتعلقات وسَما بها فرفعها من مواضيع حسية إلى شؤون ترتبط بالروح. ومنذ تلك اللحظة التى يخرج فيها الحب إلى عالم التجريد والسمو عن الأشياء، ويخطى العلاقات والقيود وتجاوز الحدود، انطلقت الأحاديث عنه إلى الجدية والتفلسف به لا محض ترف وهذر وان كان الحب دا ئما لا يخلو من ذلك النوعين.
أما الدراسات العربية الإسلامية فى هذا المجال فنلاحظ أنها تتخذ اتجاهين: الأول يدرس من حيث هو ظاهرة إنسانية تربط بين الذكر والأنثى. وهذا اتجاه المتأدبين وأكثر الفقهاء والمتكلمين. والثانى يعتبر هذا الحب فى مستواه البشري مرحلة أولى فى طريق المحبة الى الحب النهائي الإلهي، وهو نظرية المتصوفة فى الحب.
وبصدد الاتجاه الأول، قدم الجاحظ فى رسالته تعريفا للحب حاول من خلاله أن يثبت أن "الحب هو أصل الهوى، والهوى الذى يتفرع منه العشق، والعشق اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه حب"[xi] فالعشق يتركب من الحب والهوى والمشاكلة والإلف، وله ابتداء فى المصاعدة ووقوف على الغاية، وهبوط فى التوليد إلى غاية الانحلال ووقف الملال[xii]
أما ابن حزم رغم أنه ظاهري، فانه عمد إلى تعريف الحب كما كان الناس فى عصره (القرن الحادى عشر الميلادى) يعمدون إلى تعريف كل شئ. وعمد إلى تعريفه على النحو الفلسفى الذى ألفه أصحاب المنطق، فهو يثبت قبل كل شئ أن الحب حقيقة واقعة لا منصرف عنها ولا تخلص منها، وأنه من أجل ذلك شئ مباح لا ينكره الدين ولا العرف مادام لا يتجاوز حدود الدين والعرف. ثم يذكر بعد ذلك "مائية (ماهية) الحب". وماهية الحب عنده "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع".[xiii] وهذا التعريف ظاهر على ألسنة الأدباء، مستعمل فى بيان الحكماء. وأما المتصوفة فلا نكاد نعثر على خطابهم الحبي التعريف المحدد عنه، وإنما أكثروا غالبا عن التعابـير حول الحب. هذا، لأن الحب الصوفي يعلو ويفوق الحب الجسدي أو الحب العُذري الذى يتمحور بين حب الناس بعضهم بعضا أو حب شخص وآخر، بينما كان حب الصوفية يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى.
ومن هنا يسمى حبهم أيضا بالحب الإلهي أو الحب الروحي، وهو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى، وهو المحور الرئيسي الذى تدور حوله موضوعات التصوف. وليس الحب الإنساني عندهم الا طريقا إلى الحب أكثر بعدا وعمقا وهو ذلك الحب الإلهي.
ولهذا، وجدنا بعض الصوفية يعرّفون الحب أو المحبة بقولهم: "المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أنك لا يبقي لك حظ، ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة"،[xiv] وأما ابن الصمد فيقول :"المحبة هي التى تعمى وتصم، تعمى عما سوى المحبوب فلا يشهد سواه مطلوبا"[xv] ويقول أبي القاسم النصراباذى: "المحبة مجانبة السلو على كل حال" ويقول أيضا أبي الحسين النورى : " المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[xvi]
ومن هؤلاء الذين يرون أن المحبة الإنسانية جسر وبرزخ للحب الإلهي ابن الدباغ (ت 697 هـ) الذى أكد أن الحب الجسدي أو اللذة بالمحسوس له الأسبقية على الحب الروحاني"[xvii] فجدلية الحب عنده تأخذ بُعدين: بُعد الحب الجسدي حيث تتحول المحبة إلى "حمرة خجل أو صفرة وجل، أو استحالة الدم إلى مَنيٍ عند تصور لذة الوقاع"، وبُعد الحب الإلهي حيث تتحول المحبة إلى "لذة وقهر وابتهاج وطرب وإغماء"[xviii]
4.الحب فى الخطاب الفلسفي
كما قد سردنا فى الفصل الثاني من هذه المقالة أن الحديث الحبي الجدّي فى الثقافة العربية متأثر –قليلا أو كثيرا – بالثقافة اليونانية. لذا، أرى ضرورة إعادة النظر للفكرة الفلسفية فى الحب فى التراث اليوناني ليتمكن من الوصول الى البحث فى نفس الفكرة فى التراث العربي.
إن الخطاب الحبي فى التراث اليوناني له صلة بفكرة "الخلق" أى خلق العالم الموجود.وذلك لأن الفلاسفة الأوائل كانوا يبحثون عن المبادئ الأولى للأشياء فى طبيعة المادة. منهم من يقول أن أول شيئ هو الماء كما قال به طاليس (Thales)، ومن قال إن "النوس" أو العقل هو علة الجمال والخير فى الوجود كما أنه علة الحركة فى الموجودات، وهذا رأي انكساجوراس (Anaxagoras). ومنهم أيضا من قال إن الحب أو الرغبة هو مبدأ الأشياء. ومن الممكن –كما قال أرسطو (Aritoteles) - أن هزيود هو أول من ذهب بهذا المذهب ثم تبعه بعد ذلك برمنيدس (Parmanides) حين جاء فى قصيدته أن أفروديت (Aphrodito) خلقت الحب، وهو أول الآلهة.[xix]
معنى ذلك أن الحب هو الذى يمنح الأشياء الحركة والنظام. وتلك هي العقلية الإغريقية التى رأت الوجود حبا وجمالا. ومن الفلاسفة من يقول بمبدأ الوجود : الحب والكراهية (إمبادوقليدس - Empedokles)، فالحب هو مبدأ الخير والكراهية هي مبدأ الشر، وفضلا عن ذلك ، فالحب يوجد والكراهية تغرق.[xx] أما ديموقريطس (Demokritos) ولوقيبوس (Leukippos) فيعتقدان أن الوجود واللاوجود، الملاء والخلاء، هما مبدأ الأشياء. وخلاصة القول، كان الكون فى نظر الإغريق الأسطوري والمثلي فاتنا ساحرا، أصله الحب، وصورته الجمال، بل يري أفلاطون أن الحب (ايروس/eros) هو أصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.[xxi]
صحيح أن أرسطو كان له الفضل فى تخليص الفكر الإغريقي، بل والفكر الإنساني كله من الأسطورة، كما أنه جعل البحث الفلسفي مقرونا بالبحث عن العلل والمبادئ، وكما أنه أيضا يجعل من المنطق أداة للعلم وطريقا موصلا إلى الحقيقة، ولكنه ومع ذلك فإنه-كما قال عويضة- يذكر أن العالم يتحرك شوقا إلى الله[xxii]. وهذا "الشوق" الذى يدفع المادة أو الأفلاك إلى الاتصال بالصورة الخالصة أى الله بواسطة عقول الأفلاك. فالرغبة والشوق والحب كلها مبادئ مسلم بها فى الفكر الإغريقي. فالرغبة تحرك النفس، والشوق يحرك المادة، والحب يحرك العقل.
وليس من الصدفة اذا وجدنا بعض المفكرين المسلمين فى نظر خلق العالم يسلك الطريقة أكثر شبها بتلك الفكرة الإغريقية من حيث المنهج. هذا العلامة شمس الدين محمد بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (691-751هـ) مثلا فى كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" قد أفرد بابا خاصا يبحث فيه العلاقة بين الحب ووجود العالم، وهو "الباب الرابع : فى أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وإن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب".[xxiii]
وابتدأ ابن القيم فى هذا الباب بتقسيم الحركات، وهي عنده ثلاثة أنواع: حركة إرادية وحركة طبيعية ثم حركة قسرية (القهرية اللاإرادية). إن المتحرك إن تحرّك بإرادته فحركته إرادية، وإن تحرك بغير إرادته فإما أن تكون حركته إلى نحو مركزه أولا، فإن تحرك إلىجهة مركزه فحركته طبيعية، وإن تحرك إلى غير جهة مركزه فحركته قسرية. ثم أتى بعد ذلك ببيان تفاصيل هذه الحركات حتى انتهى إلى القول الذى مؤداه أن تلك الحركات إنما تتحرك بمحركها، فالمحرك –عند ابن القيم- هو الملائكة الموكلون بها(وهم المحركون الثاني) بأمر من الله الذى هو المحرك الأول. والملائكة حينما يفعلون ما أمرهم الله إنما يفعلونه محبة وطاعة بأمره وإرادته. وكذلك كانت جميع الحركات الفلكية وما حوته تابعةً للحركة الإرادية المستلزمة للمحبة، فالمحبة والإرادة أصل كل فعل ومبداه، فلا يكون الفعل إلا عن محبة وإرادة.[xxiv]
وواضح من البيان المذكور أن هناك اتفاق بين الفكرتين (الإغريقي وابن القيم) من أن الحب له دور كبير فى فكرة الخلق بالرغم من وجود الاختلاف بينهما من حيث العلة.فالفكرة الإغريقية الأفلاطونية رأت أن الحب نفسه هو الذى يخلق العالم لأنه من الآلهة، أو أنه محرك العقل لإيجاد العالم كما ذهب إليه أرسطو، أما ابن القيم فإنه يعتبر أن الحب هو الأساس لخلق الكون، والخالق والمدبر هو الله بتحريك رسله من الملائكة الموكلين. ومع ذلك، فإن تلك الفكرتين تتفقان على أن الحب هو أصل كل فعل ومبداه وأصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.
هذه من جهة، وهناك فكرة تعتـبركجهة أخرى جذبت عقول عدد كبير من المفكرين العرب وهي "إشكالية المشاكلة". وقد زعمت هذه النظرية ارتباط مصائر البشر بتأثيرات الأفلاك والنجوم والكواكب، بحيث تتدخل هذه فى ايقاع المحبة أو الكراهية بين الأشخاص، وهذه الفرضية –كما يقول أحمد وفا[xxv]- تعود فى بدايتها لبطليموس (Ptoleme ). وقد وجدها الذى عاش فى الإسكندرية فى القرن الثاني بعد المسيح، فجرت أهم الإشكالات فى قضية الحب: وهي إشكالية إنسانية الحب أو إلهية، فانقسمت الآراء لدى الإسلاميين إلى إتجاهين: (1) القائلون بأن الحب قضية إنسانية مركبة فى الطباع البشرية انسجاما واتفاقا ونفورا وكراهية. وهذه النظرية عرفت بنظرية المشاكلة، وهي ذات أبعاد أفلاطونية (Platonism)، (ب) القائلون بأن الحب منّة إلهيّة هيأها الله فى سلسلة من التراتيب والنظم التى تتدخل فيها الأقلاك والكواكب فى تحديد خيرية وشرية الإنسان، وتتحكم فى محبة الناس وكراهيتهم، وتعود هذه النظرية فى جذورها إلى بطليموس واينيذوقلس[xxvi]
ومن هؤلاء الفلاسفة المسلمين الذين تأثروا بالفكرة الأفلاطونية إخوان الصفا، وهم يرون أن العلة فى محبة شخص لشخص آخر اتفاق مشاكلة الأشخاص الفلكية فى أصل مولدهما بضرب من الضروب الموافقة من بعض لبعض، فهي كثيرة الفنون. فمنها أن يكون مولدهما ببرج واحد أو رب البرجين كوكب واحد، أو يكون البرجان متفقين فى بعض المثاني كاالمثلّث، أوتكون مطالعهما متساوية، أو ساعات نهارهما متفقة، وما شاكل ذلك.[xxvii]
وقد توسم بعضهم لهذه النظرية دعما فى الحديث النبوي الشريف: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وتصدى بعض المفكرين مثل ابن قيم الجوزية –كما قد ذكرنا جزأ من أفكاره من قبل- وابن حزم لبحث نظرية المشاكلة من جديد. ورفض بعضهم تفصيلات معينة فى هذه النظرية ومنها تأثير النجوم والكواكب فى فرض التشاكلات على المجتمع الإنساني، فوضع ،مثلا، ابن سينا والفارابي وابن حزم رسائل فى نقض أصول هذه الفرضية.[xxviii]
نعم، إن ابن حزم رفض هذه الفكرة ذات الأفلاطونية النـزعة، ولكنه مع هذا، يقول أن مائية (ماهية) الحب هو "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع". وكان بذلك –كما قال طه حسين- يذهب إلى ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من قدماء اليونان من أن هناك عنصرا رفيعا تأتلف منه نفس واحدة قد قسمت أجزاؤها على المخلوقات ذوات النفوس. فقد يحدث اتصال بين هذه الأجزاء المقسمة بين الناس فيكون الحب، وقد يحدث انفصال فيكون البغض. وبمقدار ما يكون الاتصال قويا أو ضعيفا يقوي الحب أو يضعف، وبمقدار ما يكون الانفصال قويا أو ضعيفا يشتد البغض أو يلين.[xxix]
5. الحب فى الخظاب الكلامي
فقد أثبت التاريخ أن العلماء المسلمين فى العصور الوسطى وما يليها هم النحاة والأدباء والفقهاء والمتصوفة، كما أنهم أيضا الفلاسفة والمناطقة والمتكلمون فى نفس الوقت كما وجدنا فى شخص ابن الرشد والغزالي وابن سينا وابن حزم وغيرهم. فليس غريبا اذا كان الأمر الواحد يبحثه العلماء من شتى النواحى. فلنأخذ- على سبيل المثال- قضية الحب أو المحبة فىساحة الفكرة الإسلامية لايدور البحث فيها من ناحية فلسفية فحسب، بل أصبحت أيضا فضية كلامية. فقد أثارت انسانية الحب وارتباطه بالأنا تساؤلاتٍ حول جبرية الحب أو اختياريته، هل هو اختياري أو جبري خارج عن مقدور البشر؟
فالقائلون بجبرية الحب واضظراريته يقولون بالجبر والحتمية فى حياة الإنسان، وهو بمنـزلة محبة الظمآن للماء البارد ، والجائع للطعام، وهذا مما لا يُملَك. والقائلون باختيارية الحب يدافعون عن حرية الإنسان فى تحديد مصيره، مما يلزمهم بالقول بالكبت ومدافعة طارئ المحبة[xxx] ورأى بعضهم أن الجبر والاختيار معيار للتمييز بين المحبة والعشق. فالمحبة تعني الاختيار، والعشق يعني الجبر. ولهذا، عرفت المحبة لديهم بالإرادة، فألزم المحب بالاختيار.
أما لسان الدين بن الخطيب-كما نقلنا عن وفا أحمد-فقد صرح بتساؤلات محيرة فى هذا الصدد، فقال: "هل تكتسب المحبة أو تدخل تحت الاختيار، أم هو أمر يطرق الإنسان على سبيل الضرورة التى لا اختيار فيها كالخجل والحياء…"[xxxi] وعندما يربط ابن الخطيب المحبة بعوامل خارجة عن معرفة الإنسان كالمناسبة والجمال، فإنها تقع فى الجبر. وهذا ما عناه عندما قال إن المحبة فى الكائنات جبرية كحنين الحيوان إلى بعضه وانجذاب المغناطيس للمعدن[xxxii] لكن عندما يربطها بالعقل الإنساني وقدراته التى تربط بالأسباب والنتائج يدرك أن ذلك يتطلب اختيارية المحبة، وخاصة فيما للعقل عليه اشرا ف، والتى فى الغالب هي سعي نحو إكمال النقص الخاص بالإنسان بمحبة كمال البقاء، ومنها محبة الهداة والعلماء والأنبياء[xxxiii]. وابن الخطيب بذلك يجاري ابن سينا الذى جعل عشق الحجر إلى موضعه قسريا ( اللا إرادي )، أما عشق الحيوان إلى التوليد بما هيأه الله من آلات موافقة فى المعشوق فهو عشق اختياري.[xxxiv]
إن الخلاف حول اختيارية الحب أو جبريته فى الخطاب الكلامي هذا، أدى وبالتالى إلى اختلاف آخر، وهو: هل يستحق المحب العقاب أو الثواب بما يتولد منه من الأفعال أم لا؟ ولفصل النـزاع بين الفريقين، يرى الكاتب ضرورة نقل رأي ابن قيم الجوزية فى هذا الصدد، وهو قال: "أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري,فإذا أتى بالأسباب كان ترتُب المسبَّب عليها بغير اختياره كـما قيل:
تولَّع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأىلجُـة ظنها موجـةً فلما تمكّن منها غـرق
تمنىّ الإفاقـة من ذنبـه فلم يستطعها ولم يستطق
وهذا بمنـزلة السكر من شرب الخمر، فإن تناوُل المسكر اختياري وما يتولد عنه السكر اضطراري، فمتى كان السبب محظورا ، لم يكن السكرانُ معذورا. ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنـزلة شرب المسكر فهو يلام على السبب، ولهذا إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك"[xxxv].
هكذا يقول المتكلمون، وهم لا ينظرون إلى كل شئ من الأمور الإنسانية إلا ويربطونها بالمسائل الدينية أو العقيدية وما يترتب منها من العقاب والثواب، أو الحسن والقبح، أو الذم والثناء. والكلام فى الجبر والاختيار هو من كلام المتكلمين فى شتى الأمور فيما بينها قضية الحب التى لا يخلو من هذا المنظر الكلامي، فلننتقل الآن إلى الصوفية فى نظرهم إلى الحب.
6. الحب فى الخطاب التصوفي
إن المنهج الذي يسلكه المتصوف للحصول على المعرفة أو طريقها يختلف اختلافا عما يسلكه الفيلسوف أو المتكلم. فاذا كانت الفلسفة أو الكلام عقلي الطابع فالتصوف وجداني النـزعة، وقد يعمد بعض المتصوفة الى التعبير عن حالاتهم الوجدانية الخاصة بطريق الرمز، فتغلب على عباراتهم صيغة الإبهام والتعقيد، كما تكون اللغة أداة عاجزة عن التعبير عن الوجدانيات تعبيرا صادقا، وقد يحدث أحيانا أن يختلف اثنان من المتصوفة فى التعبير عن حالة وجدانية معينة اختلافا لفظيا. ويلاحظ أن عبارات المتصوفة تحتمل عادة معنـين أحدهما لغوي ظاهر، وهو ما يستفاد من ظاهر الألفاظ، والآخر ذوقي باطن، وهو ما يستفاد بواسطة التحليل والتعمق.
هذا هو الحب الصوفي أو الحب الروحي أو الحب الإلهي، يتشعب فيه كلام ويطول فيه بحث فى طيات الكتب قديمة كانت أو حديثة، تحاول كلها على تصوير هذا الحب مهما ضعفت رسم حقيقته والعثور على كنهه لاختلاف الصوفية بعضهم بعضا فى تعبيرهم عن حبهم الإلهي. وكذلك اختلفت آراء الباحثين في هذا الحب، بعضهم يقول : أن الحب الصوفي هو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى. هذا لمن يرى " أن التصوف هو سلسلة متصلة الحلقات من الحالات الوجدانية الخاصة كابي الوفا التفتازاني".[xxxvi] وهذا التعريف من التصوف هو الذى تعتمد عليه هذه المقالة.
وهذا الحب عنده عاطفة تمر بمراحل مختلفة متصلة قبله كالقلق النفسي والحزن العميق والخوف من أشياء مجهولة ومحاولة استكناه الكون وكشف المحجوب وغيرها، ثم يعانى المتصوف بعد ذلك، الحب الإلهي أو العشق الصوفي.[xxxvii] والحب الإلهي أيضا هو أرفع المثل الروحية لأنه يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى، وليس هذا الحب شطحا ولا عبثا وإنما هو ثمرة حقيقة الإيمان القوي والتدين العميق، وينعكس أثره على حياة الفرد تهذيبا، وعلى حياة المجتمع ارتقاء. والحب الصوفي يتخذ عدة مظاهر تختلف قوة وضعفا، كما أن العاطفة الصوفية تتطور أحيانا بحيث يشعر المتصوف بأنه عاشق ومعشوق فى آن واحد.
واعتبرت رابعة العدوية أول من هتف فى رياض الصوفية بنغمات الحب شعرا ونثرا، وعرفت أنها أيضا من فضلاء عصرها وأزكاهم فطرة وأسماهم نفسا وأشدهم عزوفا عن الدنيا وزخارفها حتى يكون انقطاعها إلى الله قد وجّه نفسها الشاعرة وجهة حب إلهي فغنت بأناشيدها فى مثل قولها[xxxviii] :
أحبك حبـين حـب الهوى وحبا لأنك أهـل لـذاك
وأما الذى هو حـب الـهوى فشغلى بذكرك عمن سواك
وأما الذى أنـت أهـل لـه فكشفك للحجب حتى أراك
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لـى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
ثم يأتى بعد رابعة الصوفية أو المتصوفة الآحرون يعبرون عن مشاعرهم الحبية الإلهية بشتى التعبيرات، ويرتبها فى الحالات أو المقامات تختلف بعضها بعضا من حيث الترتيب. فأبو الحسن الشاذلي، مثلا، يرتب المحبة فى المقام أو الطريق السابع عشر أو الطريق الأخير من الطرق أو المقامات التى أولها الإخلاص، التوبة، النية، القصد، الخلوة، الجهاد، النفس، الدنيا، العبودية، الطاعة، درجات درجات، الذكر، الورع، الزهد، التوكل، الرضا ثم المحبة.[xxxix]
وأما عند محي الدين ابن عربي فيرى أن حب الله ينبغي أن يكون ثمرة ممارسة أعلى الفضائل الأخلاقية وأن يكون الغاية القصوى لكل المقامات العالية. وأولى هذه الفضائل إتباع الرسول لأنه نموذج لكل كمال، ثم التوبة، طهارة القلب،ثم يأتي بعد ذلك الصبر فى البلاء والشكر على النعم الإلهية، فهاتان درجتان للصعود إلى الحب.[xl] ويرى السهروردي أن المحبة حال ومقام فى آن واحد.
والمهم أن نلاحظ أن بعض الصوفية يعتبرون الحب الإلهي موصلا إلى المعرفة، والبعض الآخر يرى أنه هو نتيجة للمعرفة. والحق أن يقال أن الحب والشوق إلى الله يدفعان بالمتصوف إلى التعرف على الله، كما أن المعرفة بالله عز وجل تزيد من شدة الحب وقوته، فالحب سابق ولاحق بالنسبة إلى المعرفة.
وباختلاف مكانة الحب الإلهي عند الصوفية بين الحال والمقام وتراتيبها، وبالتالى يختلف أيضا تعبيراتهم فى تحديد هذا الحب، فها هي بعض تلك التعبيرات نمثله فى هذا الصدد: قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي :"المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيئ سواه، فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصنا بمعرفته، والروح مأخوذة فى حضرته، والسر معمورا فى مشاهدته .."[xli]. وقال أبو عبد الله النباجي:" المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أن لايبقى لك حظ ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة" وقول أبي القاسم النصر أباذي :"المحبة مجانبة السلوّ عن كل حال" وقول أبي الحسن النوري :"المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[xlii]
ويرى ابن عربي أن محبة الله لا تتحقق إلا إذا وهبت كلك لمن أحببت بحيث لا يبقى لك منك شيئ، ولن يتحقق ذلك إلا بعد سلامة القلب من جميع كدورات النفس، فإذا استقرت محبة الله فى القلب خرجت محبة غيره، لأن المحبة صفة محرقة تحرق كل شيئ ليس من جنسها[xliii] وكذلك الشاذلي يقول:" من أحب الله وأحب لله فقد تمت ولايته بالحب، والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة غير مشيئته.."[xliv]
ودعا جلال الدين الرومي إلى هذا الحب دعوة سافرة وذكر عجائبه وتصرفاته فى بسط وتفصيل فيقول: "إن الحب يحوّل المر حلوا، والتراب تبرا، والكدر صفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، وهو الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة ويسود العبد. إن هذا الحب هو الجناح الذى يطير به الإنسان المادي الثقيل فى الأجواء، ويصل من السمك إلى السماك، ومن الثرى إلى الثريا".[xlv]
بل لقد غلب على ابن الفارض- سلطان العاشقين- الحب الإلهي إلى الحد الذى اعتبره مرادفا للحياة، إذ لا حياة بدونه، كما أن الموت به هو عين الحياة كما أشار به فى شعره:[xlvi]
إن الغرام هو الحــياة فمـت به صبا فحقك أن تموت وتعـــذرا
وان شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا والا فالغرام لــه أهــل
فمن لم يمت فى حبـه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحـل
وعلى الجملة، فالحب الإلهي أو الحب الصوفي هو الحب الذى لا يعرف حد النهاية، فهو بحر لا ساحل له، وطريق لا ينتهي مسلكه، وعين ثري لا تطفئ الظمأ حيث أن تجليات الحق قد لا ترتوى بها عارف ولا يشبع منها مشتاق. ومن هذا، يختلف هذا الحب الوفيّ عن الحب غيره المعروف بالحب الجسدي وحتى بالحب العذري. وكل من هذين الحبـين قد ينطفئ بالوصول وينتهي بتحقق المراد، ومن ثم تهدأ النفس بعد أن تضيع جذوتها المشتعلة.
وفى هذا الصدد، يقول أبو القاسم القشيري:" من الأحوال السَنية فى المحبة الشوق، ولا يكون المحب إلا مشتاقا أبدا، لأن الحق لا نهاية له، فما من حال يبلغها المحب إلا ويعلم أن وراء ذلك أوفى منها وأتمّ، ثم قال، هذا الشوق الجاذب عنده ليس كسبة، وإنما هو موهبة خص الله بها المحبين".[xlvii]
7. الحب فى الخطاب الأدبي
ومما لاشك أن موضوع الحب فى المجال الأدبي وفنه كله فيما فيها الأدب العربي أكثر موضوع حديثا وبحثا وحتى لا نرى أن العمل الأدبي قديمه وحديثه، شعره ونثره إلا والحب يحتل جزأ لا يتجزأ منه. فالحب فى العمل الأدبي ليس لهوا ولا عبثا ولا مُجونا، بل جزء من صورة الحياة الواقعية. فالدكتور طه حسين لَخيرُ الباحثين فى رسم هذه الصورة حين يقول: " وقد مضى فى تاريخنا الأدبي والعقلي عصر لم يكن الحب هزلا ولا دعابة، وإنما كان جدا خالصا لا يخلو من صرامة وحزم فى كثير من الأحيان […] وإن حب الغزلين لم يكن لهوا ولا مجونا ولا مصدرا للدعابة والفكاهة، وإنما كان جزءا من جد الحياة اقتضته ظروف من السياسة والدين".[xlviii]
وكذلك إن أحاديث الحب لا تقتصر على لسان الشعراء والأدباء، بل يتعدى أيضا إلى العلماء. وعبد الرحمن بن أبى عمار الجُشَمي مثلا، صاحب قراءة القرآن ورواية للحديث وإقبال للنسك والزهد وتفرّغ للعبادة والطاعة حتى لقبه أهل مكة بالقَسّ فلم يمنعه ذلك – حين رأى سلامة وسمع غناءها – أن يحبها حبا انتهى به إلى الهيام وجعله شاعرا غزلا كغيره من الشعراء الغزلين. ولم يجد ذلك حرجا ولا جناحا، لأن ذلك لم يورطه فى إثم ولا فسوق. وعبد الرحمن بن أبى عمار القس هو الذى يقول فى" سلامة" ( عشيقته ) هذين البيتين الرائعين:[xlix]
سلامُ هل لي منكم ناصـر أم هل لقلبي عنكم زاجر
قد سمع الناس بوجدى بكم فمنهم اللائم والعــاذر
وإذا كانت اليونان لها ميزتها بنظرية الحب المعروف بالحب الأفلاطوني أو الحب الدال على الهوى (Erose) كما قد ذكرناه فى الفصل السابق، فللعرب أيضا نظريتها الخاصة للحب أو الغزل، خاصة الغزل الذى انتشر منذ أيام بني أمية. وفى هذا العصر، حسب تقسيم طه حسين، ثلاثة أنواع من الغزل أو الحب: غزل أو حب العذريين، الذين كانوا يتغنون فى شعرهم هذا الحب الأفلاطوني العنيف، والثانى غزل الإباحيين (المحققين) الذين كانوا يتغنون الحب ولَذاته العملية كما يفهمها الناس جميعا. والثالث، الغزل العادي الذى ليس هو فى حقيقة الأمر إلا استمرارا للغزل القديم المألوف أيام الجاهليين. والحب من النوع الأول والثانى لا يوجدان إلا فى الحجاز وما يليه من البلاد العربية الخالصة، كما لا يوجد فى العراق والشام- وهما الإقليمان اللذان كانا مجتمع الحياة السياسية الأموية – إلا نوعين من الشعر: أحدهما الشعر العادي من مدح وهجاء ووصف، والثانى الشعر السياسي الذى تتناضل فيه الأحزاب.[l]
ومن تلك الأنواع الثلاثة من أنواع الحب المذكور، يركز هذا البحث على الحب العُذري مع ملاحظة قدر ممكن من نوع الحب غيره، لأننا نرى أنه هو الذى أكثرَ الكُتاب من الأدباء من بحث هذا النوع من الحب، وأن له أيضا ميزته الخاصة من حيث النوع وأصحابه. وللحصول على معرفة حقيقة هذا الحب يجدر بنا إلى ذكر ما بينه الدكتور زكي مبارك عما يتعلق بهذا الحب، وهو يعرّف بأن الحب العذري "هو حب خالص من شوائب الدنس والرجس، هو حب طاهر شريف لا يعرف مخزيات المآثم ولا منديات الأهواء"[li] أو أنه "حب نقي طاهر ممعن فى النقاء والطهارة".[lii] وبقول آخر، إن الحب العذري هو حب حقيقي لا يصحبه معه أفعال غير شرعية أو تحلل من الخُلق الفاضل.
وكان هذا الحب منسوبا إلى بنى عُذرة، إحدى قبائل قضاعة التى كانت تنـزل فى وادى القرى شمالى الحجاز، لأن شعرائها أكثروا من التغنى به ونظمه. ويروى أن سائلا سأل رجلا من هذه القبيلة: ممن أنت ؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. ويروى أيضا أن سائلا سأل عروة بن حزام العذري، صاحب عفراء (عشيقته): أ صحيح ما يروى عنكم من أنكم أرق الناس قلوبا ؟ فأجابه: نعم، والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت وما لهم داء إلا الحب.[liii]
ثم أصبح بعد ذلك أن كل حب أو عشق وهيام الذى لا تصحبه الأعمال الرذيلة غير الشرعية ولا تحلل من الخلق الفاضل يسمى ويعرف بـ"الحب العذري". وكان أكثر العشاق العذريين من أهل القرى والبوادى الذين لم يعرفوا الحب الحضري المترف ولا الحب الذى تدفع إليه الغرائز، وقد كانت بدواتهم وتدينهم بالإسلام الحنيف تعصمهم من مثل هذين اللونين من الحب. وكانوا إنما يعرفوا الحب العفيف السامى الذى يصلى المحب بناره ويستقر بين أحشائه، حتى ليصبح هذا الحب كأنه محنة أو داء لا يستطيع التخلص منه ولا الانصرا ف عنه.
وقد وجد هذا الحب العذري فى العصر الأموي، ولم تقف موجة الحب العذري لهذا العصر عند بنى عذرة وحدها ، فقد شاع فى بوادى نجد والحجاز وخاصة بين بنى عامر. ورغم من الاختلاف من حيث شخصيات العشاق أو المحبين العذريين بين الأشخاص التاريخية الحقيقية والأشخاص الرموزية الخيالية من صنع الرواة، إلا أن هذا الاختلاف لا يقلل من أهمية هذه الظاهرة الصحيحة التى حدثت أثناء المجتمع العربي فى القرون الماضية. أو كما قال زكي مبارك: إن الحب العذري حقيقة من الحقائق وليس فرضا من الفروض. ولا يرتاب فى الحب العذري إلا الذين ضاقت منادح أهوائهم فلم يَجرَوا إلا فى ميدان الحسن المبذول، وأولئك قوم يمشون فى دنيا الحب مشي المقيد فى الوحل، فلا يتعالون إلى فكرة سامية ولا يسامون إلى مقصد رفيع".[liv]
ومن العشاق العذريين المشهورين والتاريخيين جميل بن معمر، وكُثيّر بن عبد الرحمن، والعباس بن الأحنف. وكانوا من أقطاب الغزل فى شباب العصر الإسلامي، ويمتاز هؤلاء العشاق الثلاثة بالجد فى العشق، وبالحرص على كرامة الحب، وبالإشادة بالعفاف. فالهوى عندهم شريعة وجدانية، وليس لهوا ولا عبثا. أولئك رجال آمنوا بالحب فعظموه ومجدوه، واستهانوا من أجله بما يقاسى عُباد الجمال من مصائب وأهوال. وهذا كله وجدناه فى سيرة حبهم الحقيقي العذري كمحبة جميل إلى بثينة، وكثيّر إلى عزة، والعباس إلى فوز، التى أشارت إلى الجانب الروحاني من حيوات هؤلاء الشعراء، وهو الجانب الخاص بالوفاء الذى هو اللون الثابت من ألوان التماسك الروحي، وذلك هو السبب فى عده من مكارم الأخلاق.
ولا يسع هذا البحث لسرد قصة هؤلاء العشاق بجملتها، ولأنه أيضا لا يقصد لذلك، وإنما يراد لكشف ما وراء تلك القصة التى تتضمن فى طياتها. وجملة القول أن الحب العذري هو الحب أو العشق اللهيب بين الرجل والمرأة التى لا ينتهى إلى جمعهما جسديا بسبب أو بآخر، وإنما يجمعهما روحيا، ويخلد ولا يهدأ نار هذا الحب فى قلبهما إلى أن فارقتهما الحياة. وأما الحب الإباحي فبعكس ذلك.
إن العذريين والإباحيين كانوا جميعا من أهل الحجاز كما قد ذكرناه، إلا أن هذين الفريقين يختلفان من ناحية الحياة الاجتماعية والبيئة ومكانتهما فيها. فالإباحيون من أهل الحاضرة يعيشون فى مكة والمدينة، على حين أن العذريين من أهل البادية يعيشون فى بادية الحجاز أو نجد. فالإباحيون من أبناء المهاجرين والأنصار أو من المتصلين بهم، والعذريون من قبائل أعرابية ليس لها شأن عظيم فى الإسلام، وإنما هي محتفظة احتفاظا شديدا ببدواتها القديمة وعاداتها الجاهلية الموروثة. أو قُل إن الإباحيين يكونوا فى الطبقة الأولى من الأرستقراطيين ("البـرجوازيين") فى المجتمع، والعذريين من الطبقة السفلى من البـروليتريين الفقراء.
ولئن كان يختلف هذان الفريقين من حيث المكانة الاجتماعية وبالتالي تؤثر أيضا في سلوكهم الاجتماعي وطريق تعبيرهم الشعوري، إلا أنهما يتفقان فى واقع واحد وظاهرة واحدة وهو اليأس والحزن يعانيان من أهل الحجاز جملة. فلنعد الآن إلى التاريخ لبيان تلك الظاهرة. كما قد بيناه أن الحب العذري والإباحي نشآ منذ أن كانت أمية استولت على الخلافة، ولم تمضى أيام قليلة من أيام خلافتها حتى غيرت هذه الخلافة أنظمة و أبنية الحكومة التى ثبتت من قبل. وكانت الخلافة الأمية لم تعد تجعل البلاد العربية (الحجاز وما يليه) كمقر ومركز سياسي هامّ، وإنما نقلته إلى الشام، وكما انتقل أيضا مركز المعارضة منها إلى العراق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت هذه الخلافة –كما أشار إليه التاريخ- تميل أكثر إلى حلفائها من ذوى القرابة، وتركوا غيرهم من كبار الصحابة وأبنائهم فى سياسة الدولة وتدبيرها وتنظيمها. برغم من أن الخلافة الأموية تكرمهم من ناحية مادية ومالية، ولكنها تهمشهم من ناحية سياسية. وهؤلاء الأجيال من أبناء المهاجرين والأنصار يعيشون بكفاية وثراء من الأموال، وهم مع ذلك يعيشون فى حالة غير مطمئنة، أو قُلْ فى أزمة ذاتية لأنهم يعانون من التهميش فى دورهم السياسي الملحوظ لتخليهم من الرياسة والمكانة المرموقة وسط مجتمعهم بعد أن كانوا ممن ذاقوا حلاوة تلك المكانة. وهذه الحالة، بطبيعة الحال، أدّتهم إلى اليأس والحزن والأزمة النفسية، وبالتالى أدتهم إلى اللهو والاسرا ف للفرار من يأسهم وحزنهم. ومن هؤلاء الشبان الأشرا ف اليائسين عمر ابن أبي ربيعة وأمثاله فى مكة، والأحوص بن محمد وأمثاله فى المدينة، ونشاؤا هؤلاء بين المغنين وأهل المزاح.
والعذريون كذلك هم يعانون من اليأس والحزن فى مواجهة حياتهم الاجتماعية القاسية ليس أقل مما يعانى من الإباحيين (المحققين).لم يتح لهم اللهو كما أتيح للإباحيين لأنهم من الفقراء، ولكنهم تأثروا بالإسلام، وبالقرآن خاصة، فنشأ فى نفوسهم شئ من التقوى ليس بالحضري الخالص، وليس بالبدوي الخالص، ولكن فيه سذاجة بدوية، وفيه رقة إسلامية. ومن أجل ذلك، فالعذريون مع يأسهم وحزنهم لفقرهم من ناحية، ولحرمانهم من معشوقاتهم من ناحية أخرى، فهم لا يهربون إلى اللهو المكروه والعبث المبغوض أو الإقدام على الأعمال غير شرعية، ولكنهم التجأوا إلى اصطناع الشعر يغنون به تعبيرا عن مشاعرهم اليائسة والحزينة وتخلصا منها.
ومن هنا، لقد صح ما قيل أن الأدب صورة المجتمع تعكس عليه حياة الشعب الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها من مآسيهم وسعادتهم، حزنهم وفرحهم. ويتأثر الأدب بالظروف المحيطة به والمجتمع الذى يوجد فيه، وبالبيئة التى يفسر حياتها وبالطبيعة التى يعيش بخيالها وغير ذلك.
8. الخلاصة
إن الشرح عن مسألة الحب وتفاصيله كما هو المذكور إن دل على شيئ، فإنه يدل على أن الحب هو عنصر ثابت فى الوجود لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وهو الشغل الذى يشغل بال الناس جميعا عامتهم وخاصتهم، فيما منهم الفلاسفة حيث يسعون لإدراك ما بين الإنسان والعالم من صلة وعلاقة، ويكشف عما يربط بينهما من ألفة ومحبة وصداقة، عِلمًا بأن الفلسفة كما يعرفها هيدجر (Heidegger ) هي "حكمة الحب" كما أنها أيضا "محبة الحكمة" عند تعريف الفلاسفة غيره. والله أعلم بالصواب
الفقير إلى رحمة ربه الغفير زمزم أ. عبدالله.
مدرس بكلية الأدب الجامعة سونن كاليجاكا.
الخطاب الحـبي فى التراث العربـي : الفلسفي، الكلامي، التصوفي والأدبي
بقلم : زمزم أفندي عبد ا لله
"من لم يفقهه الهوى فهو فى جهل"
( ابن الفارض )
"الحب معرفة علوية تنـير بصا ئرنا فنرى الأشياء كما يراها الآلهة"
( خليل جبـران )
1.مقدمة
إن الحديث عن الحب حديث شائق، وأن البحث فيه شائك. والقضية الحبية قضية قديمة قدم الإنسانية نفسها وأقدم من الحضارة التى انبثقت عنها. والله جل شأنه لما منح الحياة للحيوان منحه معها الحب، فالحب فطرة يهبها الله مع الحياة. أم الحيوان تحب صغارها وتدافع عن حياتها اذا ما اعتدى عليها معتد، وقد تهلك فى هذا الحب. والإنسان أي إنسان يحيا ليحب ويحب ليحيا، وقد صدق من قال : "الحياة الحب والحب الحياة". والحب يكسب الوجود البشري اتجاها وقصدا وغائية، وأيضا يخلع عليه عمقا ومعنى وقيمة حقيقية، وهو لذلك آداة لخدمة الإنسانية وتطورها ورقيها لأنه القيمة الفعلية فى حياتنا اليومية.إذن، الحب هو شغل الإنسان الشاغل، وهو قسم مشترك للجميع حتى أصبح موضع الكلام والحوار والنقاش وحتى البحث الدقيق لدى الجماهير، عامتهم وخاصتهم من الأدباء والفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة من قديم الزمان إلى يومنا الحالى حتى ما شاء الله. وهذه المقالة المتواضعة ستعالج- على الأقل- عن الحب فى الخطاب الأدبي والفلسفة والكلامي والتصوف.
2.الحب من الثقافة اليونانية إلى العربية
ولئن كان الخطاب الحبي فى الثقافة العربية وجد جذوره العريقة كما يتمثل فى الأشعار والقصص الجاهلية ونبغائها مثل أمرؤ القيس المعروف بـ"مجنون ليلى" وجميل بثينة وغيرهما، إلا أن الحديث عن الحب فى شكله النظري يعود تاريخه إلى القرن الثالث والرابع الهجريين مع تفتح آفاق العقلية العربية إثر شيوع الكتب اليونانية المترجمة إلى العربية مما فيها الكتب الأدبية. ولليونان، حسب تعبير أحمد أمين، فى هذه الأنواع كلها الشئ الكثير الذي أثر الأدب العربي قديمه وحديثه[lv]. وخلال ذلك القرنين، برزت لدى مثقفي المجتمع أفكار جديدة وليونة نسبية فى التعامل مع هذا الموضوع، موضوع الحب.
ومما يدل على مدى عناية المثقفين المسلمين بموضوع الحب ودراسته وبالعشق وماهيته ما يروى أن فى ذلك القرن تقام المجالس والندوات لمناقشة وبحث هذه المسألة. وقد حدثنا المسعودى عن مجلس فى قصر الوزير" يحي بن خالد" ضمّ اثنين وعشرين مفكرا مسلما شغلهم الحب وانشغلوا به فراحوا يناقشونه ويعرفونه ويحددونه. قال علي بن الهيثم من متكلمي الشيعة :" الحب غير محدود، وهو ثمرة المشاكلة بين المحب والمحبوب، ولا يكون إلا بامتزاج الشكلين، أو بازدواج النفسين، وهو دليل على تمازج الروحين".وقال هشام بن الحكم شيخ الإمامية :" الحب لايكون إلا من اعتدال الصورة وتكافؤ فى الطريقة وملاءمة فى الهمة". وقال معمر بن سليمان المعتزلي "العشق هو نتيجة المشاكلة وغرس المشابهة". وقال إبراهيم بن سيار النظام شيخ المعتزلة :" الحب سحر والمحبوب هو الساحر والإفراط فيه يحطم الجسد"[lvi]
إلا أننا نلاحظ أن الكثيرين ممن أقدموا على الكتابة فى موضوع الحب هم من الفقهاء، خاصة الظاهرية والمتكلمين الحنابلة الذين عنوا عناية كبيرة بالحب البشري ودرسوه دراسة موسعة رغم هجومهم على الحب الإلهي. وكان أبرزهم محمد بن داود الظاهري (ت 269هـ) صاحب كتاب "الزهرة" وهو فى موضوع الحب الإنساني، وابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) أيضا، صاحب كتاب "طوق الحمامة"، وجعفر السراج القارئ (ت 500 هـ)، وابن الجوزى (ت 597 هـ)، وابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) صاحب كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين". واتضح من مؤلفات هؤلاء، كما حقق به وفا أحمد، تأثير الثقافة الإغريقية كما تتأثر أيضا بالثقافة الفارسية والهندية التى انصهرت قصصها ومواقفها فى بوتقة الثقافة الإسلامية[lvii]
فقد شاعت فى القرن الثالث الهجري كتب تجمع أشعار الغزل وحكايات العشاق العُذريين ومآسيهم، وأساطير أخرى عرفها العرب من الثقافات الأخرى وأفردت لها كتب أو رسائل صغيرة.[lviii] لكن الحب أو الهوى العُذري ( الحب العذري وما يتعلق به يبحث فى الفصل الأخير من هذا البحث) المنـزّه عن شؤون العشق الجسدي كان له أصوله فى فلسفة أفلاطون. وقد ترجمت إلى العربية بعض محاوراته ملخصة، وعرفت عناوينها وموضوعاتها بشكل عام، ومنها محاورة فيدروس[lix] ومحاورة المأدبة[lx]. وكذلك ذكر محمد بن داود الأصفهاني الظاهري، صاحب "الزهرة" بعض الأقوال والأساطير المتعلقة بأساس الحب، وهو" المشاكلة" ونسبها إلى بطليموس (Ptoleme ) وجالينوس (Galen )[lxi]. للحب إذن قصص وأساطير وأفكار عرفها العرب من الثقافات الأجنبية.
3. التعريف بالحب
قد أثار المفكرون العرب حول "الحب" (مادة حب) تساؤلات اختلفت فى الإجابة عليها المواقف ووجهات النظر. ومنهم من بذل جهده إلى التركيز على أصل هذا اللفظ خلال المعاجم العربية وفى مقدمتها لسان العرب لابن منظوركما فعل به أحمد وفا حتى وصل إلى أن "الحب" له ما يزيد على الستين ا سما، وأن له عدة معان أكثرها تتعلق بالأمور خارج النطاق العاطفي والروحي أو بعبارة أخرى تتعلق بالمواد الحسية والجسدية.[lxii] أما ابن قيم الجوزية فقد عرض ووسع البحث عن أصل "المحبة" ومشتقاتها ومعانيها قبل أن يصل إلى حدها وتعريفها. وكما أنه أطال الكلام عن حد المحبة وتعريفها فيما لا يقل عن أربعة وعشرين حدا استخلصه من كلام الأخرين.[lxiii]
وعلى الرغم من الاختلاف بخصوص أصل لفظ الحب، (الجدل الصاعد حول أصل لفظ الحب لم نسرده فى هذه المقالة قصدا إلى الإيجاز) إلا أن جمهور اللغويين يتفق على أن هذا الشعور شئ مألوف وعام فى حياة البشر بغض النظر عن اختلاف الأزمنة وتباين الثقافات. إن اسم هذه العاطفة فقد اشتق من تسمياتٍ لها نوعُ صلةٍ، أو مشابهة بتجربة الحب. وأما أصل لفظ الحب – كما استنتج به أحمد وفا[lxiv] - فى بيئة العرب فقد يكون اشتقاقا من الجرة (مكان لاحتواء الماء) والبر والشعير وشجرة العشقة وحباب الماء إلى آخر ما توسّم فيه أهل اللغة أصلا ونوعَ مشابهةٍ. لكن الحق أن للحب متعلقات كثيرة، وأهمها مبدأ الانجذاب لما هو جميل والاحساس بالجمال وطلب اللذة. وقد طور الفكر هذه المتعلقات وسَما بها فرفعها من مواضيع حسية إلى شؤون ترتبط بالروح. ومنذ تلك اللحظة التى يخرج فيها الحب إلى عالم التجريد والسمو عن الأشياء، ويخطى العلاقات والقيود وتجاوز الحدود، انطلقت الأحاديث عنه إلى الجدية والتفلسف به لا محض ترف وهذر وان كان الحب دا ئما لا يخلو من ذلك النوعين.
أما الدراسات العربية الإسلامية فى هذا المجال فنلاحظ أنها تتخذ اتجاهين: الأول يدرس من حيث هو ظاهرة إنسانية تربط بين الذكر والأنثى. وهذا اتجاه المتأدبين وأكثر الفقهاء والمتكلمين. والثانى يعتبر هذا الحب فى مستواه البشري مرحلة أولى فى طريق المحبة الى الحب النهائي الإلهي، وهو نظرية المتصوفة فى الحب.
وبصدد الاتجاه الأول، قدم الجاحظ فى رسالته تعريفا للحب حاول من خلاله أن يثبت أن "الحب هو أصل الهوى، والهوى الذى يتفرع منه العشق، والعشق اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه حب"[lxv] فالعشق يتركب من الحب والهوى والمشاكلة والإلف، وله ابتداء فى المصاعدة ووقوف على الغاية، وهبوط فى التوليد إلى غاية الانحلال ووقف الملال[lxvi]
أما ابن حزم رغم أنه ظاهري، فانه عمد إلى تعريف الحب كما كان الناس فى عصره (القرن الحادى عشر الميلادى) يعمدون إلى تعريف كل شئ. وعمد إلى تعريفه على النحو الفلسفى الذى ألفه أصحاب المنطق، فهو يثبت قبل كل شئ أن الحب حقيقة واقعة لا منصرف عنها ولا تخلص منها، وأنه من أجل ذلك شئ مباح لا ينكره الدين ولا العرف مادام لا يتجاوز حدود الدين والعرف. ثم يذكر بعد ذلك "مائية (ماهية) الحب". وماهية الحب عنده "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع".[lxvii] وهذا التعريف ظاهر على ألسنة الأدباء، مستعمل فى بيان الحكماء. وأما المتصوفة فلا نكاد نعثر على خطابهم الحبي التعريف المحدد عنه، وإنما أكثروا غالبا عن التعابـير حول الحب. هذا، لأن الحب الصوفي يعلو ويفوق الحب الجسدي أو الحب العُذري الذى يتمحور بين حب الناس بعضهم بعضا أو حب شخص وآخر، بينما كان حب الصوفية يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى.
ومن هنا يسمى حبهم أيضا بالحب الإلهي أو الحب الروحي، وهو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى، وهو المحور الرئيسي الذى تدور حوله موضوعات التصوف. وليس الحب الإنساني عندهم الا طريقا إلى الحب أكثر بعدا وعمقا وهو ذلك الحب الإلهي.
ولهذا، وجدنا بعض الصوفية يعرّفون الحب أو المحبة بقولهم: "المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أنك لا يبقي لك حظ، ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة"،[lxviii] وأما ابن الصمد فيقول :"المحبة هي التى تعمى وتصم، تعمى عما سوى المحبوب فلا يشهد سواه مطلوبا"[lxix] ويقول أبي القاسم النصراباذى: "المحبة مجانبة السلو على كل حال" ويقول أيضا أبي الحسين النورى : " المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[lxx]
ومن هؤلاء الذين يرون أن المحبة الإنسانية جسر وبرزخ للحب الإلهي ابن الدباغ (ت 697 هـ) الذى أكد أن الحب الجسدي أو اللذة بالمحسوس له الأسبقية على الحب الروحاني"[lxxi] فجدلية الحب عنده تأخذ بُعدين: بُعد الحب الجسدي حيث تتحول المحبة إلى "حمرة خجل أو صفرة وجل، أو استحالة الدم إلى مَنيٍ عند تصور لذة الوقاع"، وبُعد الحب الإلهي حيث تتحول المحبة إلى "لذة وقهر وابتهاج وطرب وإغماء"[lxxii]
4.الحب فى الخطاب الفلسفي
كما قد سردنا فى الفصل الثاني من هذه المقالة أن الحديث الحبي الجدّي فى الثقافة العربية متأثر –قليلا أو كثيرا – بالثقافة اليونانية. لذا، أرى ضرورة إعادة النظر للفكرة الفلسفية فى الحب فى التراث اليوناني ليتمكن من الوصول الى البحث فى نفس الفكرة فى التراث العربي.
إن الخطاب الحبي فى التراث اليوناني له صلة بفكرة "الخلق" أى خلق العالم الموجود.وذلك لأن الفلاسفة الأوائل كانوا يبحثون عن المبادئ الأولى للأشياء فى طبيعة المادة. منهم من يقول أن أول شيئ هو الماء كما قال به طاليس (Thales)، ومن قال إن "النوس" أو العقل هو علة الجمال والخير فى الوجود كما أنه علة الحركة فى الموجودات، وهذا رأي انكساجوراس (Anaxagoras). ومنهم أيضا من قال إن الحب أو الرغبة هو مبدأ الأشياء. ومن الممكن –كما قال أرسطو (Aritoteles) - أن هزيود هو أول من ذهب بهذا المذهب ثم تبعه بعد ذلك برمنيدس (Parmanides) حين جاء فى قصيدته أن أفروديت (Aphrodito) خلقت الحب، وهو أول الآلهة.[lxxiii]
معنى ذلك أن الحب هو الذى يمنح الأشياء الحركة والنظام. وتلك هي العقلية الإغريقية التى رأت الوجود حبا وجمالا. ومن الفلاسفة من يقول بمبدأ الوجود : الحب والكراهية (إمبادوقليدس - Empedokles)، فالحب هو مبدأ الخير والكراهية هي مبدأ الشر، وفضلا عن ذلك ، فالحب يوجد والكراهية تغرق.[lxxiv] أما ديموقريطس (Demokritos) ولوقيبوس (Leukippos) فيعتقدان أن الوجود واللاوجود، الملاء والخلاء، هما مبدأ الأشياء. وخلاصة القول، كان الكون فى نظر الإغريق الأسطوري والمثلي فاتنا ساحرا، أصله الحب، وصورته الجمال، بل يري أفلاطون أن الحب (ايروس/eros) هو أصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.[lxxv]
صحيح أن أرسطو كان له الفضل فى تخليص الفكر الإغريقي، بل والفكر الإنساني كله من الأسطورة، كما أنه جعل البحث الفلسفي مقرونا بالبحث عن العلل والمبادئ، وكما أنه أيضا يجعل من المنطق أداة للعلم وطريقا موصلا إلى الحقيقة، ولكنه ومع ذلك فإنه-كما قال عويضة- يذكر أن العالم يتحرك شوقا إلى الله[lxxvi]. وهذا "الشوق" الذى يدفع المادة أو الأفلاك إلى الاتصال بالصورة الخالصة أى الله بواسطة عقول الأفلاك. فالرغبة والشوق والحب كلها مبادئ مسلم بها فى الفكر الإغريقي. فالرغبة تحرك النفس، والشوق يحرك المادة، والحب يحرك العقل.
وليس من الصدفة اذا وجدنا بعض المفكرين المسلمين فى نظر خلق العالم يسلك الطريقة أكثر شبها بتلك الفكرة الإغريقية من حيث المنهج. هذا العلامة شمس الدين محمد بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (691-751هـ) مثلا فى كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" قد أفرد بابا خاصا يبحث فيه العلاقة بين الحب ووجود العالم، وهو "الباب الرابع : فى أن العالم العلوي والسفلي إنما وجد بالمحبة ولأجلها وإن حركات الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركات الملائكة والحيوانات وحركة كل متحرك إنما وجدت بسبب الحب".[lxxvii]
وابتدأ ابن القيم فى هذا الباب بتقسيم الحركات، وهي عنده ثلاثة أنواع: حركة إرادية وحركة طبيعية ثم حركة قسرية (القهرية اللاإرادية). إن المتحرك إن تحرّك بإرادته فحركته إرادية، وإن تحرك بغير إرادته فإما أن تكون حركته إلى نحو مركزه أولا، فإن تحرك إلىجهة مركزه فحركته طبيعية، وإن تحرك إلى غير جهة مركزه فحركته قسرية. ثم أتى بعد ذلك ببيان تفاصيل هذه الحركات حتى انتهى إلى القول الذى مؤداه أن تلك الحركات إنما تتحرك بمحركها، فالمحرك –عند ابن القيم- هو الملائكة الموكلون بها(وهم المحركون الثاني) بأمر من الله الذى هو المحرك الأول. والملائكة حينما يفعلون ما أمرهم الله إنما يفعلونه محبة وطاعة بأمره وإرادته. وكذلك كانت جميع الحركات الفلكية وما حوته تابعةً للحركة الإرادية المستلزمة للمحبة، فالمحبة والإرادة أصل كل فعل ومبداه، فلا يكون الفعل إلا عن محبة وإرادة.[lxxviii]
وواضح من البيان المذكور أن هناك اتفاق بين الفكرتين (الإغريقي وابن القيم) من أن الحب له دور كبير فى فكرة الخلق بالرغم من وجود الاختلاف بينهما من حيث العلة.فالفكرة الإغريقية الأفلاطونية رأت أن الحب نفسه هو الذى يخلق العالم لأنه من الآلهة، أو أنه محرك العقل لإيجاد العالم كما ذهب إليه أرسطو، أما ابن القيم فإنه يعتبر أن الحب هو الأساس لخلق الكون، والخالق والمدبر هو الله بتحريك رسله من الملائكة الموكلين. ومع ذلك، فإن تلك الفكرتين تتفقان على أن الحب هو أصل كل فعل ومبداه وأصل كل ما هو خير فى هذا الوجود.
هذه من جهة، وهناك فكرة تعتـبركجهة أخرى جذبت عقول عدد كبير من المفكرين العرب وهي "إشكالية المشاكلة". وقد زعمت هذه النظرية ارتباط مصائر البشر بتأثيرات الأفلاك والنجوم والكواكب، بحيث تتدخل هذه فى ايقاع المحبة أو الكراهية بين الأشخاص، وهذه الفرضية –كما يقول أحمد وفا[lxxix]- تعود فى بدايتها لبطليموس (Ptoleme ). وقد وجدها الذى عاش فى الإسكندرية فى القرن الثاني بعد المسيح، فجرت أهم الإشكالات فى قضية الحب: وهي إشكالية إنسانية الحب أو إلهية، فانقسمت الآراء لدى الإسلاميين إلى إتجاهين: (1) القائلون بأن الحب قضية إنسانية مركبة فى الطباع البشرية انسجاما واتفاقا ونفورا وكراهية. وهذه النظرية عرفت بنظرية المشاكلة، وهي ذات أبعاد أفلاطونية (Platonism)، (ب) القائلون بأن الحب منّة إلهيّة هيأها الله فى سلسلة من التراتيب والنظم التى تتدخل فيها الأقلاك والكواكب فى تحديد خيرية وشرية الإنسان، وتتحكم فى محبة الناس وكراهيتهم، وتعود هذه النظرية فى جذورها إلى بطليموس واينيذوقلس[lxxx]
ومن هؤلاء الفلاسفة المسلمين الذين تأثروا بالفكرة الأفلاطونية إخوان الصفا، وهم يرون أن العلة فى محبة شخص لشخص آخر اتفاق مشاكلة الأشخاص الفلكية فى أصل مولدهما بضرب من الضروب الموافقة من بعض لبعض، فهي كثيرة الفنون. فمنها أن يكون مولدهما ببرج واحد أو رب البرجين كوكب واحد، أو يكون البرجان متفقين فى بعض المثاني كاالمثلّث، أوتكون مطالعهما متساوية، أو ساعات نهارهما متفقة، وما شاكل ذلك.[lxxxi]
وقد توسم بعضهم لهذه النظرية دعما فى الحديث النبوي الشريف: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وتصدى بعض المفكرين مثل ابن قيم الجوزية –كما قد ذكرنا جزأ من أفكاره من قبل- وابن حزم لبحث نظرية المشاكلة من جديد. ورفض بعضهم تفصيلات معينة فى هذه النظرية ومنها تأثير النجوم والكواكب فى فرض التشاكلات على المجتمع الإنساني، فوضع ،مثلا، ابن سينا والفارابي وابن حزم رسائل فى نقض أصول هذه الفرضية.[lxxxii]
نعم، إن ابن حزم رفض هذه الفكرة ذات الأفلاطونية النـزعة، ولكنه مع هذا، يقول أن مائية (ماهية) الحب هو "الاتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع". وكان بذلك –كما قال طه حسين- يذهب إلى ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من قدماء اليونان من أن هناك عنصرا رفيعا تأتلف منه نفس واحدة قد قسمت أجزاؤها على المخلوقات ذوات النفوس. فقد يحدث اتصال بين هذه الأجزاء المقسمة بين الناس فيكون الحب، وقد يحدث انفصال فيكون البغض. وبمقدار ما يكون الاتصال قويا أو ضعيفا يقوي الحب أو يضعف، وبمقدار ما يكون الانفصال قويا أو ضعيفا يشتد البغض أو يلين.[lxxxiii]
5. الحب فى الخظاب الكلامي
فقد أثبت التاريخ أن العلماء المسلمين فى العصور الوسطى وما يليها هم النحاة والأدباء والفقهاء والمتصوفة، كما أنهم أيضا الفلاسفة والمناطقة والمتكلمون فى نفس الوقت كما وجدنا فى شخص ابن الرشد والغزالي وابن سينا وابن حزم وغيرهم. فليس غريبا اذا كان الأمر الواحد يبحثه العلماء من شتى النواحى. فلنأخذ- على سبيل المثال- قضية الحب أو المحبة فىساحة الفكرة الإسلامية لايدور البحث فيها من ناحية فلسفية فحسب، بل أصبحت أيضا فضية كلامية. فقد أثارت انسانية الحب وارتباطه بالأنا تساؤلاتٍ حول جبرية الحب أو اختياريته، هل هو اختياري أو جبري خارج عن مقدور البشر؟
فالقائلون بجبرية الحب واضظراريته يقولون بالجبر والحتمية فى حياة الإنسان، وهو بمنـزلة محبة الظمآن للماء البارد ، والجائع للطعام، وهذا مما لا يُملَك. والقائلون باختيارية الحب يدافعون عن حرية الإنسان فى تحديد مصيره، مما يلزمهم بالقول بالكبت ومدافعة طارئ المحبة[lxxxiv] ورأى بعضهم أن الجبر والاختيار معيار للتمييز بين المحبة والعشق. فالمحبة تعني الاختيار، والعشق يعني الجبر. ولهذا، عرفت المحبة لديهم بالإرادة، فألزم المحب بالاختيار.
أما لسان الدين بن الخطيب-كما نقلنا عن وفا أحمد-فقد صرح بتساؤلات محيرة فى هذا الصدد، فقال: "هل تكتسب المحبة أو تدخل تحت الاختيار، أم هو أمر يطرق الإنسان على سبيل الضرورة التى لا اختيار فيها كالخجل والحياء…"[lxxxv] وعندما يربط ابن الخطيب المحبة بعوامل خارجة عن معرفة الإنسان كالمناسبة والجمال، فإنها تقع فى الجبر. وهذا ما عناه عندما قال إن المحبة فى الكائنات جبرية كحنين الحيوان إلى بعضه وانجذاب المغناطيس للمعدن[lxxxvi] لكن عندما يربطها بالعقل الإنساني وقدراته التى تربط بالأسباب والنتائج يدرك أن ذلك يتطلب اختيارية المحبة، وخاصة فيما للعقل عليه اشرا ف، والتى فى الغالب هي سعي نحو إكمال النقص الخاص بالإنسان بمحبة كمال البقاء، ومنها محبة الهداة والعلماء والأنبياء[lxxxvii]. وابن الخطيب بذلك يجاري ابن سينا الذى جعل عشق الحجر إلى موضعه قسريا ( اللا إرادي )، أما عشق الحيوان إلى التوليد بما هيأه الله من آلات موافقة فى المعشوق فهو عشق اختياري.[lxxxviii]
إن الخلاف حول اختيارية الحب أو جبريته فى الخطاب الكلامي هذا، أدى وبالتالى إلى اختلاف آخر، وهو: هل يستحق المحب العقاب أو الثواب بما يتولد منه من الأفعال أم لا؟ ولفصل النـزاع بين الفريقين، يرى الكاتب ضرورة نقل رأي ابن قيم الجوزية فى هذا الصدد، وهو قال: "أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف، فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري,فإذا أتى بالأسباب كان ترتُب المسبَّب عليها بغير اختياره كـما قيل:
تولَّع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأىلجُـة ظنها موجـةً فلما تمكّن منها غـرق
تمنىّ الإفاقـة من ذنبـه فلم يستطعها ولم يستطق
وهذا بمنـزلة السكر من شرب الخمر، فإن تناوُل المسكر اختياري وما يتولد عنه السكر اضطراري، فمتى كان السبب محظورا ، لم يكن السكرانُ معذورا. ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنـزلة شرب المسكر فهو يلام على السبب، ولهذا إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك"[lxxxix].
هكذا يقول المتكلمون، وهم لا ينظرون إلى كل شئ من الأمور الإنسانية إلا ويربطونها بالمسائل الدينية أو العقيدية وما يترتب منها من العقاب والثواب، أو الحسن والقبح، أو الذم والثناء. والكلام فى الجبر والاختيار هو من كلام المتكلمين فى شتى الأمور فيما بينها قضية الحب التى لا يخلو من هذا المنظر الكلامي، فلننتقل الآن إلى الصوفية فى نظرهم إلى الحب.
6. الحب فى الخطاب التصوفي
إن المنهج الذي يسلكه المتصوف للحصول على المعرفة أو طريقها يختلف اختلافا عما يسلكه الفيلسوف أو المتكلم. فاذا كانت الفلسفة أو الكلام عقلي الطابع فالتصوف وجداني النـزعة، وقد يعمد بعض المتصوفة الى التعبير عن حالاتهم الوجدانية الخاصة بطريق الرمز، فتغلب على عباراتهم صيغة الإبهام والتعقيد، كما تكون اللغة أداة عاجزة عن التعبير عن الوجدانيات تعبيرا صادقا، وقد يحدث أحيانا أن يختلف اثنان من المتصوفة فى التعبير عن حالة وجدانية معينة اختلافا لفظيا. ويلاحظ أن عبارات المتصوفة تحتمل عادة معنـين أحدهما لغوي ظاهر، وهو ما يستفاد من ظاهر الألفاظ، والآخر ذوقي باطن، وهو ما يستفاد بواسطة التحليل والتعمق.
هذا هو الحب الصوفي أو الحب الروحي أو الحب الإلهي، يتشعب فيه كلام ويطول فيه بحث فى طيات الكتب قديمة كانت أو حديثة، تحاول كلها على تصوير هذا الحب مهما ضعفت رسم حقيقته والعثور على كنهه لاختلاف الصوفية بعضهم بعضا فى تعبيرهم عن حبهم الإلهي. وكذلك اختلفت آراء الباحثين في هذا الحب، بعضهم يقول : أن الحب الصوفي هو الحالة الوجدانية التى تصدر عنها سائر الحالات الأخرى. هذا لمن يرى " أن التصوف هو سلسلة متصلة الحلقات من الحالات الوجدانية الخاصة كابي الوفا التفتازاني".[xc] وهذا التعريف من التصوف هو الذى تعتمد عليه هذه المقالة.
وهذا الحب عنده عاطفة تمر بمراحل مختلفة متصلة قبله كالقلق النفسي والحزن العميق والخوف من أشياء مجهولة ومحاولة استكناه الكون وكشف المحجوب وغيرها، ثم يعانى المتصوف بعد ذلك، الحب الإلهي أو العشق الصوفي.[xci] والحب الإلهي أيضا هو أرفع المثل الروحية لأنه يتعلق بأسمى موضوع وهو الله تعالى، وليس هذا الحب شطحا ولا عبثا وإنما هو ثمرة حقيقة الإيمان القوي والتدين العميق، وينعكس أثره على حياة الفرد تهذيبا، وعلى حياة المجتمع ارتقاء. والحب الصوفي يتخذ عدة مظاهر تختلف قوة وضعفا، كما أن العاطفة الصوفية تتطور أحيانا بحيث يشعر المتصوف بأنه عاشق ومعشوق فى آن واحد.
واعتبرت رابعة العدوية أول من هتف فى رياض الصوفية بنغمات الحب شعرا ونثرا، وعرفت أنها أيضا من فضلاء عصرها وأزكاهم فطرة وأسماهم نفسا وأشدهم عزوفا عن الدنيا وزخارفها حتى يكون انقطاعها إلى الله قد وجّه نفسها الشاعرة وجهة حب إلهي فغنت بأناشيدها فى مثل قولها[xcii] :
أحبك حبـين حـب الهوى وحبا لأنك أهـل لـذاك
وأما الذى هو حـب الـهوى فشغلى بذكرك عمن سواك
وأما الذى أنـت أهـل لـه فكشفك للحجب حتى أراك
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لـى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
ثم يأتى بعد رابعة الصوفية أو المتصوفة الآحرون يعبرون عن مشاعرهم الحبية الإلهية بشتى التعبيرات، ويرتبها فى الحالات أو المقامات تختلف بعضها بعضا من حيث الترتيب. فأبو الحسن الشاذلي، مثلا، يرتب المحبة فى المقام أو الطريق السابع عشر أو الطريق الأخير من الطرق أو المقامات التى أولها الإخلاص، التوبة، النية، القصد، الخلوة، الجهاد، النفس، الدنيا، العبودية، الطاعة، درجات درجات، الذكر، الورع، الزهد، التوكل، الرضا ثم المحبة.[xciii]
وأما عند محي الدين ابن عربي فيرى أن حب الله ينبغي أن يكون ثمرة ممارسة أعلى الفضائل الأخلاقية وأن يكون الغاية القصوى لكل المقامات العالية. وأولى هذه الفضائل إتباع الرسول لأنه نموذج لكل كمال، ثم التوبة، طهارة القلب،ثم يأتي بعد ذلك الصبر فى البلاء والشكر على النعم الإلهية، فهاتان درجتان للصعود إلى الحب.[xciv] ويرى السهروردي أن المحبة حال ومقام فى آن واحد.
والمهم أن نلاحظ أن بعض الصوفية يعتبرون الحب الإلهي موصلا إلى المعرفة، والبعض الآخر يرى أنه هو نتيجة للمعرفة. والحق أن يقال أن الحب والشوق إلى الله يدفعان بالمتصوف إلى التعرف على الله، كما أن المعرفة بالله عز وجل تزيد من شدة الحب وقوته، فالحب سابق ولاحق بالنسبة إلى المعرفة.
وباختلاف مكانة الحب الإلهي عند الصوفية بين الحال والمقام وتراتيبها، وبالتالى يختلف أيضا تعبيراتهم فى تحديد هذا الحب، فها هي بعض تلك التعبيرات نمثله فى هذا الصدد: قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي :"المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيئ سواه، فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصنا بمعرفته، والروح مأخوذة فى حضرته، والسر معمورا فى مشاهدته .."[xcv]. وقال أبو عبد الله النباجي:" المحبة لذة فى المخلوق واستهلاك فى الخالق على معنى أن لايبقى لك حظ ولا يكون لمحبتك علة ولا تكون قائما بعلة" وقول أبي القاسم النصر أباذي :"المحبة مجانبة السلوّ عن كل حال" وقول أبي الحسن النوري :"المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"[xcvi]
ويرى ابن عربي أن محبة الله لا تتحقق إلا إذا وهبت كلك لمن أحببت بحيث لا يبقى لك منك شيئ، ولن يتحقق ذلك إلا بعد سلامة القلب من جميع كدورات النفس، فإذا استقرت محبة الله فى القلب خرجت محبة غيره، لأن المحبة صفة محرقة تحرق كل شيئ ليس من جنسها[xcvii] وكذلك الشاذلي يقول:" من أحب الله وأحب لله فقد تمت ولايته بالحب، والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة غير مشيئته.."[xcviii]
ودعا جلال الدين الرومي إلى هذا الحب دعوة سافرة وذكر عجائبه وتصرفاته فى بسط وتفصيل فيقول: "إن الحب يحوّل المر حلوا، والتراب تبرا، والكدر صفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة، والقهر رحمة، وهو الذي يلين الحديد، ويذيب الحجر، ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة ويسود العبد. إن هذا الحب هو الجناح الذى يطير به الإنسان المادي الثقيل فى الأجواء، ويصل من السمك إلى السماك، ومن الثرى إلى الثريا".[xcix]
بل لقد غلب على ابن الفارض- سلطان العاشقين- الحب الإلهي إلى الحد الذى اعتبره مرادفا للحياة، إذ لا حياة بدونه، كما أن الموت به هو عين الحياة كما أشار به فى شعره:[c]
إن الغرام هو الحــياة فمـت به صبا فحقك أن تموت وتعـــذرا
وان شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا والا فالغرام لــه أهــل
فمن لم يمت فى حبـه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحـل
وعلى الجملة، فالحب الإلهي أو الحب الصوفي هو الحب الذى لا يعرف حد النهاية، فهو بحر لا ساحل له، وطريق لا ينتهي مسلكه، وعين ثري لا تطفئ الظمأ حيث أن تجليات الحق قد لا ترتوى بها عارف ولا يشبع منها مشتاق. ومن هذا، يختلف هذا الحب الوفيّ عن الحب غيره المعروف بالحب الجسدي وحتى بالحب العذري. وكل من هذين الحبـين قد ينطفئ بالوصول وينتهي بتحقق المراد، ومن ثم تهدأ النفس بعد أن تضيع جذوتها المشتعلة.
وفى هذا الصدد، يقول أبو القاسم القشيري:" من الأحوال السَنية فى المحبة الشوق، ولا يكون المحب إلا مشتاقا أبدا، لأن الحق لا نهاية له، فما من حال يبلغها المحب إلا ويعلم أن وراء ذلك أوفى منها وأتمّ، ثم قال، هذا الشوق الجاذب عنده ليس كسبة، وإنما هو موهبة خص الله بها المحبين".[ci]
7. الحب فى الخطاب الأدبي
ومما لاشك أن موضوع الحب فى المجال الأدبي وفنه كله فيما فيها الأدب العربي أكثر موضوع حديثا وبحثا وحتى لا نرى أن العمل الأدبي قديمه وحديثه، شعره ونثره إلا والحب يحتل جزأ لا يتجزأ منه. فالحب فى العمل الأدبي ليس لهوا ولا عبثا ولا مُجونا، بل جزء من صورة الحياة الواقعية. فالدكتور طه حسين لَخيرُ الباحثين فى رسم هذه الصورة حين يقول: " وقد مضى فى تاريخنا الأدبي والعقلي عصر لم يكن الحب هزلا ولا دعابة، وإنما كان جدا خالصا لا يخلو من صرامة وحزم فى كثير من الأحيان […] وإن حب الغزلين لم يكن لهوا ولا مجونا ولا مصدرا للدعابة والفكاهة، وإنما كان جزءا من جد الحياة اقتضته ظروف من السياسة والدين".[cii]
وكذلك إن أحاديث الحب لا تقتصر على لسان الشعراء والأدباء، بل يتعدى أيضا إلى العلماء. وعبد الرحمن بن أبى عمار الجُشَمي مثلا، صاحب قراءة القرآن ورواية للحديث وإقبال للنسك والزهد وتفرّغ للعبادة والطاعة حتى لقبه أهل مكة بالقَسّ فلم يمنعه ذلك – حين رأى سلامة وسمع غناءها – أن يحبها حبا انتهى به إلى الهيام وجعله شاعرا غزلا كغيره من الشعراء الغزلين. ولم يجد ذلك حرجا ولا جناحا، لأن ذلك لم يورطه فى إثم ولا فسوق. وعبد الرحمن بن أبى عمار القس هو الذى يقول فى" سلامة" ( عشيقته ) هذين البيتين الرائعين:[ciii]
سلامُ هل لي منكم ناصـر أم هل لقلبي عنكم زاجر
قد سمع الناس بوجدى بكم فمنهم اللائم والعــاذر
وإذا كانت اليونان لها ميزتها بنظرية الحب المعروف بالحب الأفلاطوني أو الحب الدال على الهوى (Erose) كما قد ذكرناه فى الفصل السابق، فللعرب أيضا نظريتها الخاصة للحب أو الغزل، خاصة الغزل الذى انتشر منذ أيام بني أمية. وفى هذا العصر، حسب تقسيم طه حسين، ثلاثة أنواع من الغزل أو الحب: غزل أو حب العذريين، الذين كانوا يتغنون فى شعرهم هذا الحب الأفلاطوني العنيف، والثانى غزل الإباحيين (المحققين) الذين كانوا يتغنون الحب ولَذاته العملية كما يفهمها الناس جميعا. والثالث، الغزل العادي الذى ليس هو فى حقيقة الأمر إلا استمرارا للغزل القديم المألوف أيام الجاهليين. والحب من النوع الأول والثانى لا يوجدان إلا فى الحجاز وما يليه من البلاد العربية الخالصة، كما لا يوجد فى العراق والشام- وهما الإقليمان اللذان كانا مجتمع الحياة السياسية الأموية – إلا نوعين من الشعر: أحدهما الشعر العادي من مدح وهجاء ووصف، والثانى الشعر السياسي الذى تتناضل فيه الأحزاب.[civ]
ومن تلك الأنواع الثلاثة من أنواع الحب المذكور، يركز هذا البحث على الحب العُذري مع ملاحظة قدر ممكن من نوع الحب غيره، لأننا نرى أنه هو الذى أكثرَ الكُتاب من الأدباء من بحث هذا النوع من الحب، وأن له أيضا ميزته الخاصة من حيث النوع وأصحابه. وللحصول على معرفة حقيقة هذا الحب يجدر بنا إلى ذكر ما بينه الدكتور زكي مبارك عما يتعلق بهذا الحب، وهو يعرّف بأن الحب العذري "هو حب خالص من شوائب الدنس والرجس، هو حب طاهر شريف لا يعرف مخزيات المآثم ولا منديات الأهواء"[cv] أو أنه "حب نقي طاهر ممعن فى النقاء والطهارة".[cvi] وبقول آخر، إن الحب العذري هو حب حقيقي لا يصحبه معه أفعال غير شرعية أو تحلل من الخُلق الفاضل.
وكان هذا الحب منسوبا إلى بنى عُذرة، إحدى قبائل قضاعة التى كانت تنـزل فى وادى القرى شمالى الحجاز، لأن شعرائها أكثروا من التغنى به ونظمه. ويروى أن سائلا سأل رجلا من هذه القبيلة: ممن أنت ؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. ويروى أيضا أن سائلا سأل عروة بن حزام العذري، صاحب عفراء (عشيقته): أ صحيح ما يروى عنكم من أنكم أرق الناس قلوبا ؟ فأجابه: نعم، والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت وما لهم داء إلا الحب.[cvii]
ثم أصبح بعد ذلك أن كل حب أو عشق وهيام الذى لا تصحبه الأعمال الرذيلة غير الشرعية ولا تحلل من الخلق الفاضل يسمى ويعرف بـ"الحب العذري". وكان أكثر العشاق العذريين من أهل القرى والبوادى الذين لم يعرفوا الحب الحضري المترف ولا الحب الذى تدفع إليه الغرائز، وقد كانت بدواتهم وتدينهم بالإسلام الحنيف تعصمهم من مثل هذين اللونين من الحب. وكانوا إنما يعرفوا الحب العفيف السامى الذى يصلى المحب بناره ويستقر بين أحشائه، حتى ليصبح هذا الحب كأنه محنة أو داء لا يستطيع التخلص منه ولا الانصرا ف عنه.
وقد وجد هذا الحب العذري فى العصر الأموي، ولم تقف موجة الحب العذري لهذا العصر عند بنى عذرة وحدها ، فقد شاع فى بوادى نجد والحجاز وخاصة بين بنى عامر. ورغم من الاختلاف من حيث شخصيات العشاق أو المحبين العذريين بين الأشخاص التاريخية الحقيقية والأشخاص الرموزية الخيالية من صنع الرواة، إلا أن هذا الاختلاف لا يقلل من أهمية هذه الظاهرة الصحيحة التى حدثت أثناء المجتمع العربي فى القرون الماضية. أو كما قال زكي مبارك: إن الحب العذري حقيقة من الحقائق وليس فرضا من الفروض. ولا يرتاب فى الحب العذري إلا الذين ضاقت منادح أهوائهم فلم يَجرَوا إلا فى ميدان الحسن المبذول، وأولئك قوم يمشون فى دنيا الحب مشي المقيد فى الوحل، فلا يتعالون إلى فكرة سامية ولا يسامون إلى مقصد رفيع".[cviii]
ومن العشاق العذريين المشهورين والتاريخيين جميل بن معمر، وكُثيّر بن عبد الرحمن، والعباس بن الأحنف. وكانوا من أقطاب الغزل فى شباب العصر الإسلامي، ويمتاز هؤلاء العشاق الثلاثة بالجد فى العشق، وبالحرص على كرامة الحب، وبالإشادة بالعفاف. فالهوى عندهم شريعة وجدانية، وليس لهوا ولا عبثا. أولئك رجال آمنوا بالحب فعظموه ومجدوه، واستهانوا من أجله بما يقاسى عُباد الجمال من مصائب وأهوال. وهذا كله وجدناه فى سيرة حبهم الحقيقي العذري كمحبة جميل إلى بثينة، وكثيّر إلى عزة، والعباس إلى فوز، التى أشارت إلى الجانب الروحاني من حيوات هؤلاء الشعراء، وهو الجانب الخاص بالوفاء الذى هو اللون الثابت من ألوان التماسك الروحي، وذلك هو السبب فى عده من مكارم الأخلاق.
ولا يسع هذا البحث لسرد قصة هؤلاء العشاق بجملتها، ولأنه أيضا لا يقصد لذلك، وإنما يراد لكشف ما وراء تلك القصة التى تتضمن فى طياتها. وجملة القول أن الحب العذري هو الحب أو العشق اللهيب بين الرجل والمرأة التى لا ينتهى إلى جمعهما جسديا بسبب أو بآخر، وإنما يجمعهما روحيا، ويخلد ولا يهدأ نار هذا الحب فى قلبهما إلى أن فارقتهما الحياة. وأما الحب الإباحي فبعكس ذلك.
إن العذريين والإباحيين كانوا جميعا من أهل الحجاز كما قد ذكرناه، إلا أن هذين الفريقين يختلفان من ناحية الحياة الاجتماعية والبيئة ومكانتهما فيها. فالإباحيون من أهل الحاضرة يعيشون فى مكة والمدينة، على حين أن العذريين من أهل البادية يعيشون فى بادية الحجاز أو نجد. فالإباحيون من أبناء المهاجرين والأنصار أو من المتصلين بهم، والعذريون من قبائل أعرابية ليس لها شأن عظيم فى الإسلام، وإنما هي محتفظة احتفاظا شديدا ببدواتها القديمة وعاداتها الجاهلية الموروثة. أو قُل إن الإباحيين يكونوا فى الطبقة الأولى من الأرستقراطيين ("البـرجوازيين") فى المجتمع، والعذريين من الطبقة السفلى من البـروليتريين الفقراء.
ولئن كان يختلف هذان الفريقين من حيث المكانة الاجتماعية وبالتالي تؤثر أيضا في سلوكهم الاجتماعي وطريق تعبيرهم الشعوري، إلا أنهما يتفقان فى واقع واحد وظاهرة واحدة وهو اليأس والحزن يعانيان من أهل الحجاز جملة. فلنعد الآن إلى التاريخ لبيان تلك الظاهرة. كما قد بيناه أن الحب العذري والإباحي نشآ منذ أن كانت أمية استولت على الخلافة، ولم تمضى أيام قليلة من أيام خلافتها حتى غيرت هذه الخلافة أنظمة و أبنية الحكومة التى ثبتت من قبل. وكانت الخلافة الأمية لم تعد تجعل البلاد العربية (الحجاز وما يليه) كمقر ومركز سياسي هامّ، وإنما نقلته إلى الشام، وكما انتقل أيضا مركز المعارضة منها إلى العراق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت هذه الخلافة –كما أشار إليه التاريخ- تميل أكثر إلى حلفائها من ذوى القرابة، وتركوا غيرهم من كبار الصحابة وأبنائهم فى سياسة الدولة وتدبيرها وتنظيمها. برغم من أن الخلافة الأموية تكرمهم من ناحية مادية ومالية، ولكنها تهمشهم من ناحية سياسية. وهؤلاء الأجيال من أبناء المهاجرين والأنصار يعيشون بكفاية وثراء من الأموال، وهم مع ذلك يعيشون فى حالة غير مطمئنة، أو قُلْ فى أزمة ذاتية لأنهم يعانون من التهميش فى دورهم السياسي الملحوظ لتخليهم من الرياسة والمكانة المرموقة وسط مجتمعهم بعد أن كانوا ممن ذاقوا حلاوة تلك المكانة. وهذه الحالة، بطبيعة الحال، أدّتهم إلى اليأس والحزن والأزمة النفسية، وبالتالى أدتهم إلى اللهو والاسرا ف للفرار من يأسهم وحزنهم. ومن هؤلاء الشبان الأشرا ف اليائسين عمر ابن أبي ربيعة وأمثاله فى مكة، والأحوص بن محمد وأمثاله فى المدينة، ونشاؤا هؤلاء بين المغنين وأهل المزاح.
والعذريون كذلك هم يعانون من اليأس والحزن فى مواجهة حياتهم الاجتماعية القاسية ليس أقل مما يعانى من الإباحيين (المحققين).لم يتح لهم اللهو كما أتيح للإباحيين لأنهم من الفقراء، ولكنهم تأثروا بالإسلام، وبالقرآن خاصة، فنشأ فى نفوسهم شئ من التقوى ليس بالحضري الخالص، وليس بالبدوي الخالص، ولكن فيه سذاجة بدوية، وفيه رقة إسلامية. ومن أجل ذلك، فالعذريون مع يأسهم وحزنهم لفقرهم من ناحية، ولحرمانهم من معشوقاتهم من ناحية أخرى، فهم لا يهربون إلى اللهو المكروه والعبث المبغوض أو الإقدام على الأعمال غير شرعية، ولكنهم التجأوا إلى اصطناع الشعر يغنون به تعبيرا عن مشاعرهم اليائسة والحزينة وتخلصا منها.
ومن هنا، لقد صح ما قيل أن الأدب صورة المجتمع تعكس عليه حياة الشعب الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها من مآسيهم وسعادتهم، حزنهم وفرحهم. ويتأثر الأدب بالظروف المحيطة به والمجتمع الذى يوجد فيه، وبالبيئة التى يفسر حياتها وبالطبيعة التى يعيش بخيالها وغير ذلك.
8. الخلاصة
إن الشرح عن مسألة الحب وتفاصيله كما هو المذكور إن دل على شيئ، فإنه يدل على أن الحب هو عنصر ثابت فى الوجود لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وهو الشغل الذى يشغل بال الناس جميعا عامتهم وخاصتهم، فيما منهم الفلاسفة حيث يسعون لإدراك ما بين الإنسان والعالم من صلة وعلاقة، ويكشف عما يربط بينهما من ألفة ومحبة وصداقة، عِلمًا بأن الفلسفة كما يعرفها هيدجر (Heidegger ) هي "حكمة الحب" كما أنها أيضا "محبة الحكمة" عند تعريف الفلاسفة غيره. والله أعلم بالصواب
الفقير إلى رحمة ربه الغفير زمزم أ. عبدالله.
مدرس بكلية الأدب الجامعة سونن كاليجاكا.
[i] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[ii] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[iii] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[iv] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[v] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[vi] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[vii] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[viii] المرجع نفسه.
[ix] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[x] المرجع نفسه.
[xi] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[xii] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[xiii] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[xv] المرجع نفسه.
[xvi] المرجع نفسه، ص. 62
[xvii] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[xviii] المرجع نفسه، ص . 22
[xix] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[xx] المرجع نفسه. ص. 135
[xxi] المرجع نفسه.
[xxii] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[xxiii] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[xxiv] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[xxv] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[xxvi] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[xxvii] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[xxviii] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[xxix] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[xxx] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[xxxi] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[xxxii] المرجع نفسه.
[xxxiii] المرجع نفسه.
[xxxiv] المرجع نفسه.
[xxxv] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[xxxvi] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[xxxvii] المرجع نفسه، ص. 146
[xxxviii] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[xxxix] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[xl] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[xli] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[xlii] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[xliii] المصدر نفسه، ص. 62
[xliv] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[xlv] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[xlvi] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[xlvii] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[xlviii] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[xlix] المصدر نفسه.
[l] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[li] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[lii] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[liii] المصدر نفسه.
[liv] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
[lv] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[lvi] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[lvii] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[lviii] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[lix] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[lx] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[lxi] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[lxii] المرجع نفسه.
[lxiii] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[lxiv] المرجع نفسه.
[lxv] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[lxvi] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[lxvii] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[lxix] المرجع نفسه.
[lxx] المرجع نفسه، ص. 62
[lxxi] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[lxxii] المرجع نفسه، ص . 22
[lxxiii] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[lxxiv] المرجع نفسه. ص. 135
[lxxv] المرجع نفسه.
[lxxvi] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[lxxvii] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[lxxviii] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[lxxix] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[lxxx] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[lxxxi] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[lxxxii] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[lxxxiii] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[lxxxiv] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[lxxxv] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[lxxxvi] المرجع نفسه.
[lxxxvii] المرجع نفسه.
[lxxxviii] المرجع نفسه.
[lxxxix] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[xc] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[xci] المرجع نفسه، ص. 146
[xcii] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[xciii] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[xciv] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[xcv] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[xcvi] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[xcvii] المصدر نفسه، ص. 62
[xcviii] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[xcix] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[c] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[ci] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[cii] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[ciii] المصدر نفسه.
[civ] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[cv] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[cvi] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[cvii] المصدر نفسه.
[cviii] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
[1] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[1] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[1] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[1] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[1] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[1] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[1] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[1] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[1] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه، ص. 62
[1] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[1] المرجع نفسه، ص . 22
[1] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[1] المرجع نفسه. ص. 135
[1] المرجع نفسه.
[1] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[1] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[1] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[1] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[1] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[1] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[1] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[1] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[1] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[1] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[1] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[1] المرجع نفسه، ص. 146
[1] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[1] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[1] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[1] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[1] المصدر نفسه، ص. 62
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[1] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[1] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[1] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[1] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[1] المصدر نفسه.
[1] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[1] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[1] المصدر نفسه.
[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
[1] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[1] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[1] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[1] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[1] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[1] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[1] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[1] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[1] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه، ص. 62
[1] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[1] المرجع نفسه، ص . 22
[1] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[1] المرجع نفسه. ص. 135
[1] المرجع نفسه.
[1] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[1] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[1] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[1] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[1] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[1] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[1] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[1] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[1] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[1] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[1] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[1] المرجع نفسه، ص. 146
[1] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[1] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[1] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[1] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[1] المصدر نفسه، ص. 62
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[1] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[1] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[1] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[1] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[1] المصدر نفسه.
[1] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[1] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[1] المصدر نفسه.[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
[1] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[1] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[1] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[1] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[1] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[1] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[1] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[1] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه، ص. 62
[1] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[1] المرجع نفسه، ص . 22
[1] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[1] المرجع نفسه. ص. 135
[1] المرجع نفسه.
[1] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[1] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[1] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[1] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[1] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[1] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[1] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[1] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[1] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[1] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[1] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[1] المرجع نفسه، ص. 146
[1] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[1] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[1] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[1] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[1] المصدر نفسه، ص. 62
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[1] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[1] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[1] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[1] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[1] المصدر نفسه.
[1] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[1] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[1] المصدر نفسه.
[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
[1] أحمد أمين، فجر الإسلام (سنغافورة : مكتبة ومطبعة سليمان مرعى، 1965)، ص. 135
[1] أنظر, سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية فى الإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية، دون سنة التصدير)، ص. 195-196.
[1] أنظر، أحمد وفا، الحب: من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93 آب – ايلول، 1989م.
[1] أنظر Lois Anita, Theori of Profan love among the Arabs, (London : Londons University Press, 1972)pp. 1-end
[1] أنظر: إبن النديم محمد بن اسحق، الفهرست، تحقيق: رضاتجدد، (طهران: مطبعة دانكشاه، دون سنة)،ص. 366 تحت فصل"أسماء العشاق من سائر الناس" و"أسماء العشاق الذين تدخل أحاديثهم فى السمر".
[1] المرجع نفسه، ص. 306 تحت عنوان "أفلاطون"
[1] أحمد وفا، الحب : من المادة إلى الروح، مجلة أفكار، العدد: 93، 1989م.
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : شمس الدين بن ابى بكر ابن قيم الجوزية (ونذكر فيما بعد ب"ابن قيم الجوزية") روضة المحبين ونزهة المشتاقين (بيروت : دار الكتاب العربي، 1996) ط. 3، ص. 33-70
[1] المرجع نفسه.
[1] أنظر : أبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، مجموعة الرسائل ، ( بيروت : دار النهضة الحديثة، 1972 م)" الرسالة السابعة فى العشق والنساء"، ص . 147-151
[1] نفس المرجع، ج 2، رسالة "القيان"، صز 166-167.
[1] أنظر : طه حسين، ألوان، ((مصر : دار المعارف، 1908)، ص. 99-119.
13أنظر: عبد الفتاح السيد محمد الدماصى، الحب الإلهي فى شعر محي الدين بن عربي، (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1982)، ص. 61
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه، ص. 62
[1] عبد الرحمن ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتيح اسرار الغيوب، تحقيق ريتر، (بيروت : دار صادر، 1909)، ص . 5.
[1] المرجع نفسه، ص . 22
[1] أنظر : الشيخ كامل محمد محمد عويضة، حصاد الفكر الفلسفي اليوناني (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995)، ص. 134-135
[1] المرجع نفسه. ص. 135
[1] المرجع نفسه.
[1] الشيخ كامل محمد محمد عويضة، الفلسفة الإسلامية، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995) ص.5
[1] انظر: ابن قيم الجوزية روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص. 73
[1] انظر، المرجع نفسه. ص. 73-76
[1] وفا أحمد، نفس المرجع، ص. 51
[1] أنظر : يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية (القاهرة : لجنة التأليف والنشر، 1936)، ص. 36، 98.
[1] إخوان الصفا وخلان الوفا، رسائل، ( بيروت: دار صادر، 1957)، جز 3، الرسالة السادسة فى ماهية العشق، ص. 275.
[1] أنظر: الفارابي، "ما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم"، رسالتان فلسفيتان، تحقيق: جعفر آل ياسين، (بيروت: دار المناهل، 1987). وابن سينا، فى أبطال أحكام النجوم"، الرسائل، وابن حزم، مراتب العلوم, الرسائل، جز 4، تحقيق: عباس إحسان (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983).
[1] أنظر: طه حسين، ألوان، ص. 107
[1] أنظر: فهمي جدعان، داعى المشاكلة فى نظرية الحب عند العرب، (بيروت: مطبعة الجامعة الأمريكية، 1981)، ص. 102
[1] أنظر: وفا أحمد، نفس المرجع. ص. 50
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] المرجع نفسه.
[1] ابن قيم الجوزية، نفس المرجع، ص. 159-160
[1] أنظر: أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات فى الفلسفة الإسلامية، (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1957)، ط. 1، ص. 129-130
[1] المرجع نفسه، ص. 146
[1] أنظر : لويس ماسينيون ومصطفى عبد الرازق، الإسلام والتصوف، (القاهرة: مطبعة دار الشعب، 1979)، ص. 76
[1] أنظر تفاصيل هذه الطرق، عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، دون سنة التصدير)، ص. 128-142.
[1] طلعت غنام، أضواء على التصوف: دراسة موضوعية ، تحليل ونقد من وجهة النظر الإسلامية والفكرية، (القاهرة: عالم الكتب، دون سنة التصدير)، ص. 325.
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 144
[1] أنظر تفاصيل معاني المحبة الإلهية إلى: عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي فى شعر محي الدين ابن عربي (القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، 1983)، ص. 61-63.
[1] المصدر نفسه، ص. 62
[1] عبد الحليم محمود، المدرسة الشاذلية الحديثة، ص. 142
[1] أبو الحسن الندوي، مولانا جلال الدين الرومي، (القاهرة: المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، 1974)، ص.48-49.
[1] أبو الوفا التفتازاني: "ابن الفارض سلطان العاشقين" فى المجلة روايات الهلال، العدد 271, يوليو 1971م - جمادى الأولى 1391هـ
[1] عبد الفتاح السيد محمد الدماصي، الحب الإلهي، ص. 439.
[1] أنظر ، طه حسين، ألوان، ص. 99-100.
[1] المصدر نفسه.
[1] طه حسين، حديث الأربعاء، (القاهرة: دار المعارف بمصر، دون سنة التصدير)، الجزء 1، ص. 187
[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، (القاهرة: دار المعارف، دون سنة التصدير)، ص. 15
[1] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الإسلامي (مصر : دار المعارف بمصر، دون ستة التصدير)، ص. 359
[1] المصدر نفسه.[1] زكي مبارك، العشاق الثلاثة، ص. 23
No comments:
Post a Comment